قوله : (فِي مَقْعَدِ) يجوز أن يكون خبرا ثانيا وهو الظاهر ، وأن يكون حالا من الضمير في الجار لوقوعه خبرا ، وجوّز أبو البقاء (١) : أن يكون بدلا من قوله : (فِي جَنَّاتٍ). وحينئذ يجوز أن يكون بدل بعض ، لأن المقعد بعضها ، وأن يكون اشتمالا ، لأنها مشتملة ، والأول أظهر. والعامة على إفراد مقعد مرادا به الجنس كما تقدم في : «نهر». وقرأ عثمان (٢) البتّيّ : مقاعد (٣). وهو مناسب للجمع قبله.
و (مَقْعَدِ صِدْقٍ) من باب رجل صدق في أنه يجوز أن يكون من إضافة الموصوف لصفته والصدق يجوز أن يراد به ضد الكذب أي صدقوا في الإخبار عنه. وأن يراد به الجودة والخيريّة. ومليك مثال مبالغة ، وهو مناسب هنا ولا يتوهم أن أصله «ملك» ؛ لأنه هو الوارد في غير موضع وأن الكسرة أشبعت فتولد منها ياء ؛ لأن الإشباع لم يرد إلا ضرورة أو قليلا وإن كان قد وقع في قراءة هشام : أفئدة [إبراهيم : ٤٣] في آخر إبراهيم. فليلتفت إليه.
فصل
قال : في مقعد صدق ولم يقل : في مجلس صدق ؛ لأن القعود جلوس فيه مكث ومنه : «قواعد البيت» [و] (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) [النور : ٦٠] ، ولا يقال جوالس فأشار إلى دوامه وثباته ، ولأن حروف «ق ع د» كيف دارت تدل على ذلك والاستعمال في القعود يدل على ذلك ومنه : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء : ٩٥] ، وقوله (مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) [آل عمران : ١٢١] إشارة إلى الثبات وكذا قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) [ق : ١٧] ، فذكر المقعد لدوامه أو لطوله وقال في المجلس : (تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) [المجادلة : ١١] إشارة إلى الحركة ، وقال (انْشُزُوا) [المجادلة : ١١] إشارة إلى ترك الجلوس أي هو مجلس فلا يجب ملازمته بخلاف المقعد (٤).
فصل
قال المفسّرون : في مقعد صدق أي حق لا لغو فيه ولا تأثيم (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) أي مالك قادر لا يعجزه شيء و «عند» ههنا عندية القربة والزّلفة والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة. قال (جعفر) الصادق : مدح الله المكان بالصّدق فلا يقع فيه إلا أهل الصدق (٥).
__________________
(١) التبيان ١١٩٦.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) وهي شاذة وانظر البحر ٨ / ١٨٤ ، والقرطبي ١٧ / ١٥٠.
(٤) بالمعنى من الرازي ١٥ / ٨٢.
(٥) وانظر القرطبي ١٧ / ١٥٠ والبغوي والخازن ٦ / ٢٨١.