قوله : (لَقَدْ كُنْتَ) أي يقال له : لقد كنت ، والقول إما صفة أو حال. والعامة على فتح التاء في (كُنْتَ) والكاف في (غِطاءَكَ) و (فَبَصَرُكَ) حملا على لفظ (كُلُّ) من التذكير (١). والجحدريّ : كنت بالكسر مخاطبة للنفس. وهو وطلحة بن مصرف : (عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ) بالكسر مراعاة للنفس أيضا (٢). ولم ينقل صاحب اللوّامح (٣) الكسر في الكاف عن الجحدري ، وعلى كل فيكون قد راعى اللفظ مرة والمعنى أخرى (٤).
فصل
والمعنى (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) اليوم فكشفنا عنك الذي كان في الدنيا وعلى قلبك وسمعك وبصرك (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) نفاذ تبصر ما كنت تنكر في الدنيا. وقال مجاهد: يعني نظرك على لسان ميزانك حيث توزن حسناتك وسيّئاتك. والمعنى أزلنا غفلتك عنك فبصرك اليوم حديد وكان من قبل كليلا.
قوله تعالى : (وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ)(٢٦)
قوله تعالى : (وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) قيل : المراد بالقرين : الملك الموكل به وهو القعيد والشهيد الذي سبق ذكره (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) يريد كتاب أعماله معدّ مخضر. وقيل : المراد بالقرين الشيطان الذي زين له الكفر والعصيان بدليل قوله : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) [فصلت : ٢٥] وقال : (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف : ٣٦] وقال تعالى : (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [ق : ٣٨] فالإشارة بهذا السّوق إلى المرتكب للفجور والفسوق. والقعيد معناه المعتد (٥) الناد ومعناه أن الشيطان يقول : هذا العاصي شيء هو عندي معتد (٦) لجهنم أعتدته لها بالإغواء والإضلال (٦).
قوله : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) يجوز أن تكون (ما) نكرة موصوفة و (عَتِيدٌ) صفتها و (لَدَيَّ) متعلق بعتيد أي هذا شيء عتيد لدي أي حاضر عندي ويجوز على هذا أن يكون (لَدَيَّ) وصفا ل (ما) و (عَتِيدٌ) صفة ثانية ، أو خبر مبتدأ محذوف أي هو عتيد ، ويجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي و (لَدَيَّ) صلتها ولديّ (٧) خبر الموصول والموصول وصلته خبر الإشارة (٨) ويجوز أن تكون (ما) بدلا من هذا موصولة كانت أو موصوفة
__________________
(١) انظر التبيان ١١٧٥.
(٢) قراءتان شاذتان نقلها المختصر ١٤٤ والبحر المحيط ٨ / ١٢٥.
(٣) وهو أبو الفضل الرازي. وتقدم التعريف به.
(٤) البحر المحيط المرجع السابق.
(٥) في (ب) كذلك وفي الرازي : المعد معد.
(٦) وانظر الرازي ٢٨ / ١٦٥.
(٦) وانظر الرازي ٢٨ / ١٦٥.
(٧) الأصح كما في (ب) عتيد.
(٨) وهو هذا.