قال سعيد بن جبير ، وعامر الشعبي : «الرحمن» فاتحة ثلاثة سور إذا جمعن كن اسما من أسماء الله تعالى : «الر» و «حم» و «نون» ، فيكون مجموع هذه «الرحمن» (١).
ولله ـ تعالى ـ رحمتان :
رحمة سابقة بها خلق الخلق ، ورحمة لاحقة بها أعطاهم الرزق والمنافع ، فهو رحمن باعتبار السّابقة ، رحيم باعتبار اللاحقة ، ولما اختص بالإيجاد لم يقل لغيره : رحمن ، ولما تخلق بعض خلقه الصالحين ببعض أخلاقه بحسب الطّاقة البشرية ، فأطعم ونفع ، جاز أن يقال له : رحيم.
قوله : (عَلَّمَ الْقُرْآنَ). فيه وجهان (٢) :
أظهرهما : أنه «علم» المتعدية إلى اثنين أي عرف من التعليم ، فعلى هذا المفعول الأول محذوف.
قيل : تقديره : علم جبريل القرآن.
وقيل : علم محمدا.
وقيل : علم الانسان ، وهذا أولى لعمومه ، ولأن قوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) دال عليه.
والثاني : أنها من العلامة ، والمعنى : جعله علامة ، وآية يعتبر بها (٣) ، أي : هو
__________________
ـ استعمل مع الألف واللام كما في الفضل والعباس والحسن والخليل ، وعلى هذا فمن سمى غيره إلها فهو كمن يستعمل في مولود له فيقول لابنه محمد وأحمد وإن كانا علمين لغيره قبله في أنه جائز من سمى ابنه لم يكن له من الأمر المطاع ما يمنع الغير عن التسمية به ولم يكن له الاحتجار وأخذ الاسم لنفسه أو لولده. بخلاف الملك المطاع إذا استأثر لنفسه اسما لا يستجرىء أحد ممن تحت ولايته ما دام له الملك أن يسمي ولده أو نفسه بذلك الاسم خصوصا من يكون مملوكا لا يمكنه أن يسمي نفسه باسم الملك ولا أن يسمي ولده به ، والله تعالى ملك مطاع وكل من عداه تحت أمره فإذا استأثر لنفسه اسما لا يجوز للعبيد أن يتسموا بذلك الاسم ، فمن يسمي فقد تعدى فالمشركون في التسمية متعدون ، وفي المعنى ضالون وإما أن نقول إله أو لاه اسم لمن يعبد والألف والام للتعريف ، ولما امتنع المعنى عن غير الله امتنع الاسم ، فإن قيل فلو سمى أحد ابنه به كان ينبغي أن يجوز؟ قلنا لا يجوز لأنه يوهم أنه اسم موضوع لذلك الابن لمعنى لا لكونه علما ، فإن قيل تسمية الواحد بالكريم والودود جائزة قلنا كل ما يكون حمله على العلم وعلى اسم لمعنى ملحوظ في اللفظ الذكري لا يفضي إلى خلل يجوز ذلك فيه فيجوز تسمية الواحد بالكريم والودود ولا يجوز تسميته بالخالق والقديم ، لأن على تقدير حمله على أنه علم غير ملحوظ فيه المعنى يجوز ، وعلى تقدير حمله على أنه اسم لمعنى هو قائم به كالقدرة التي بها بقاء الخلق أو العدم فلا يجوز ، لكن اسم المعبود من هذا القبيل فلا يجوز التسمية به ، فأحد هذين القولين حق وقولهم مع الألف واللام علم ليس بحق. إذا عرفت البحث في الله فما يترتب عليه ، وهو أن الرحمن اسم على أضعف منه ، وتجويز يا الرحمن أضعف من الكل. ينظر الرازي ٢٩ / ٧٣ ـ ٧٤.
(١) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٥ / ٤٢٣).
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٣٥.
(٣) ضعّف هذا الرأي العلامة أبو حيان في البحر المحيط ٨ / ١٨٧ فقال : وأبعد من ذهب إلى أن معنى «عَلَّمَ الْقُرْآنَ» جعله علامة وآية يعتبر بها.