فصل
لما ذكر خلق الإنسان وإنعامه عليه لتعليمه البيان ، ذكر نعمتين عظيمتين ، وهما : الشمس والقمر ، وأنهما على قانون واحد وحساب (١) لا يتغيران ، وبذلك تتم منفعتهما للزراعات وغيرها ، ولو لا الشمس لما زالت الظلمة ، ولو لا القمر لفات كثير من المنافع الظاهرة ، بخلاف غيرهما من الكواكب ، فإن نعمها لا تظهر لكل أحد مثل ظهور نعمتهما ، وأنهما بحساب لا يتغير أبدا ، ولو كان مسيرهما غير معلوم للخلق لما انتفعوا بالزّراعات في أوقاتها ، ومعرفة فصول السّنة.
ثم لما ذكر النعم السماوية وذكر في مقابلتها أيضا نعمتين ظاهرتين من الأرض ، وهما : النبات الذي لا ساق له ، وما له ساق ؛ لأن النبات أصل الرزق من الحبوب والثمار ، والحشيش للحيوان.
وقيل : إنما ذكر هاتين النعمتين بعد تعليم القرآن إشارة إلى أن من الناس من لا تكون نفسه زكيّة ، فيكتفي بأدلة القرآن ، فذكر له آيات الآفاق ، وخص الشمس والقمر ؛ لأن حركتهما بحسبان تدلّ على الفاعل المختار.
ولو اجتمع العالم ليبيّنوا سبب حركتهما على هذا التقدير المعين لعجزوا ، وقالوا : إن الله حركهما بالإرادة كما أراد.
وقيل : لما ذكر معجزة القرآن بإنزاله أنكروا نزول الجرم من السماء وصعوده إليها ، فأشار تعالى بحركتهما إلى أنها ليست بالطبيعة.
وهم يقولون بأن الحركة الدّورية من أنواع الحركات لا يكون إلا اختياريا ، فقال تعالى : من حرّكهما على الاستدارة أنزل الملائكة على الاستقامة ، والثقيل على مذهبكم لا يصعد ، وصعود النّجم والشجر إنما هو بقدرة الله تعالى ، فحركة الملك كحركة الفلك جائزة.
فصل في جريان الشمس والقمر
قال المفسرون : [المعنى](٢) يجريان بحسبان معلوم فأضمر الخبر.
قال ابن عباس وقتادة وأبو مالك : يجريان بحساب في منازل لا تعدوها ولا يحيدان (٣) عنها.
__________________
(١) في أ : بحسبان.
(٢) سقط من ب.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٥٧٣) عن ابن عباس وقتادة وأبي مالك وأخرجه الحاكم (٢ / ٤٧٤) عن ابن عباس وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩٠) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى الفريابي ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
وذكره أيضا عن أبي مالك وعزاه إلى ابن المنذر وعبد بن حميد.