وتقول العرب : ويحك (١) ارجلاها وازجراها وخذاها للواحد. قال الفراء : وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان فجرى كلام الواحد على صاحبه ، ومنه قولهم في الشعر : خليليّ (٢). وقال الزجاج : هذا أمر السائق والشهيد (٣). وقيل : للمتلقين.
قوله : (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) الكفار يحتمل أن يكون من الكفر فيكون بمعنى شديد الكفر لأن الشديد في اللفظ بدل على شدة في المعنى ، ويحتمل أن يكون من الكفران فهو المنكر نعم الله مع كثرتها. و «العنيد» فعيل بمعنى فاعل من عند عنودا (٤) ، ومنه العناد (٥). والمعنى عاص معرض عن الحق. قال عكرمة ومجاهد : مجانب للحق ومعاند لله (٦).
قوله : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) أي كثير المنع للمال (٧) والواجب من الزّكاة وكلّ حق واجب في ماله هذا إذا قلنا إن الكفار هو المنكر نعم الله تعالى. وإن قلنا : هو من الكفر فهو الذي أنكر دلائل وحدانية الله تعالى مع قوّتها وظهورها ، فكان شديد الكفر عنيدا حيث أنكر الحق الواضح فهو مناع شديد المنع من الإيمان فهو مناع للخير وهو الإيمان الذي هو خير محض ، كأنه يقول : كفر بالله ولم يقتنع (٨) بكفره ، حتى منع الخير من الغير.
قوله : (مُعْتَدٍ) فإن فسرنا المنّاع بمنّاع الزكاة فمعناه لمن يؤدّ الواجب وتعدى ذلك حتى أخذ الحرام أيضا بالرّبا كما كان عادة المشركين ، وإن كان المنّاع بمعنى منع الإيمان فكأنه يقول : منع الإيمان ولم يقنع به حتى تعداه ، وأهان من آمن ، وآذاه ، وأعان من كفر فآواه (٩). قال المفسرون: هو الظالم الذي لا يقرّ بتوحيد الله تعالى.
وقوله : (مُرِيبٍ) أي شاكّ في التوحيد. ومعناه دخل في الرّيب ، وقيل : موقع للغير في الريب بإلقاء الشّبه (١٠). وإن قيل : بأن المنّاع منّاع الزكاة فمعناه لا يعطي الزكاة لأنه في ريب من الآخرة والثواب. قال ابن الخطيب : وفيه ترتيب آخر وهو أن يقال : هذا بيان أحوال الكافر بالنسبة إلى الله تعالى وإلى الرّسول وإلى اليوم الآخر (١١). فقوله : (كَفَّارٍ عَنِيدٍ) إشارة إلى حاله مع الله يكفر به ويعاند آياته. وقوله : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ) ، إشارة إلى حاله مع الرسول يمنع الناس اتّباعه ومن الإنفاق على من عنده وبتعدّى بالإيذاء وقوله : (مُرِيبٍ) إشارة إلى حاله بالنسبة إلى اليوم الآخر يرتاب فيه ولا يظن أن الساعة قائمة.
فإن قيل : قوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) إلى غير ذلك
__________________
(١) في القرطبي : ويلك.
(٢) معاني الفراء ٣ / ٧٨.
(٣) قال : الوجه عندي أن يكون أمر الملكين انظر معاني القرآن وإعرابه له ٥ / ٤٥.
(٤) قاله الرازي ٢٨ / ١٦٥ و ١٦٦.
(٥) القرطبي ١٧ / ١٦ ـ ١٧.
(٦) في الرازي : المال الواجب.
(٧) في (ب) يقنع.
(٨) في الرازي المرجع السابق : «وآواه».
(٩) البغوي ٦ / ٢٣٦.
(١٠) الرازي المرجع السابق.
(١١) الرازي ٢٨ / ١٦٧ و ١٦٨ السابق.