كقوله : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء : ٣٣] ، فذكر البحرين عقيب المشرقين والمغربين ، أو لأن المشرقين والمغربين يكونان في البر والبحر ، فذكر البحر بعد ذكر البر ؛ لانحصار البر والبحر بين المشرق والغرب.
قوله : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) أي : حاجز (١) ، «لا يبغيان» ، فعلى القول الأول بأنهما بحر السماء ، وبحر الأرض ، فالحاجز الذي بينهما هو ما بين السماء والأرض. قاله الضحاك.
وعلى الأقوال الباقية : الحاجز : هو الأرض التي بينهما. قاله الحسن وقتادة.
وقال بعضهم : الحاجز : هو القدرة الإلهية.
وقوله : (لا يَبْغِيانِ). قال قتادة : لا يبغيان على النّاس فيغرقانهم ، جعل بينهم وبين الناس اليبس.
وقال مجاهد وقتادة أيضا : لا يبغي أحدهما على صاحبه فيغلبه.
وقال ابن زيد : (لا يَبْغِيانِ) أي يلتقيان (٢) ، تقديره : مرج البحرين يلتقيان لو لا البرزخ الذي بينهما لا يبغيان أن يلتقيا.
وقيل : البرزخ ما بين الدنيا والآخرة ، أي : بينهما مدة قدرها الله تعالى ، وهي مدة الدنيا فهما لا يبغيان ، فإذا أذن الله بانقضاء الدنيا صار البحران شيئا واحدا ، وهو كقوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ) [الانفطار : ٣].
وقال سهل بن عبد الله : البحران : طريق الخير والشر ، والبرزخ الذي بينهما التوفيق والعصمة.
فصل في إحاطة البحار بالأرض
قال ابن الخطيب (٣) : إن الله ـ تعالى ـ خلق في الأرض بحارا تحيط بها الأرض ، وخلق بحرا محيطا بالأرض أحاط به الهواء ، كما قال به أهل الهيئة ، وهذه البحار التي في الأرض لها اتصال بالبحر المحيط ، ثم إنهما لا يبغيان على الأرض ، ولا يغطيانها بفضل الله لتكون الأرض بارزة يتخذها الإنسان مكانا ، وعند النظر إلى أمر الأرض يحار الطبيعي ويتلجلج في الكلام ، فإن عندهم أن طبع الأرض يكون في المركز مغمورا بالماء ، ويكون الماء محيطا بجميع جوانبه ، فإذا سئلوا عن ظهور الأرض من الماء قالوا : جذب في الأرض.
فإذا قيل لهم : لماذا تجذب؟ وما سبب الجذب؟.
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٠٦.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٥٨٨).
(٣) ينظر تفسير الرازي ٢٩ / ٨٩.