يوجب أن يكون الإلقاء خاصا بمن اجتمع فيه هذه الصفات بأسرها والكفر وحده كاف في إثبات الإلقاء في جهنم؟
فالجواب : أن قوله : (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) ليس المراد منه الوصف المميز كما يقال : أعط العالم الزاهد بل المراد الوصف المبين لكون الموصوف موصوفا به إما على سبيل المدح أو على سبيل الذم كقولك : هذا حاتم السخيّ. فقوله : (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) معناه أن الكافر عنيد ومناع للخير ؛ لأن آيات الوحدانية ظاهرة ونعم الله على عباده وافرة وهو مع ذلك عنيد ومناع للخير ، لأنه يمدح دينه ويذم دين الحق فهو يمنع ، ومريب لأنه يرتاب في الحشر ، وكل كافر فهو موصوف بهذه الصفات (١).
قوله : (الَّذِي جَعَلَ) يجوز أن يكون منصوبا على الذّمّ ، أو على البدل من (كُلَّ) وأن يكون مجرورا بدلا من (كَفَّارٍ) ، أو مرفوعا بالابتداء والخبر (فَأَلْقِياهُ)(٢). قيل : ودخلت الفاء لشبهه بالشرط ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي هو الذي جعل ، ويكون (فَأَلْقِياهُ) تأكيدا (٣).
وجوز ابن عطيّة أن يكون صفة «ل (كَفَّارٍ) ؛ قال : من حيث يختص (كَفَّارٍ) بالأوصاف المذكورة فجاز وصفه لهذه المعرفة (٤). وهذا مردود. وقرىء بفتح التّنوين (٥) في (مُرِيبٍ) فرارا من توالي أربع متجانسات (٦).
قوله تعالى : (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(٢٩)
قوله : (قالَ قَرِينُهُ) جاءت هذه بلا واو ؛ لأنها قصد بها الاستئناف كأن الكافر قال : ربّ هو أطغاني فقال قرينه : ما أطغيته بخلاف التي قبلها فإنها عطفت على ما قبلها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه ما قال(٧). قال ابن الخطيب : جاءت هذه بلا واو وفي الأولى بالواو العاطفة لأن في الأولى إشارة وقعت إلى معنيين مجتمعين ، فإن كل نفس في ذلك الوقت يجيء معها سائق وشهيد فيقول الشهيد ذلك القول ، وفي الثاني لم يوجد هناك معنيان مجتمعان حتى يذكر بالواو ، فإن الفاء في قوله : (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ) لا يناسب قوله : (قالَ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) فليس هناك مناسبة مقتضية للعطف بالواو.
__________________
(١) البحر المحيط ٨ / ١٢٦.
(٢) السابق.
(٣) نقله في المرجع السابق.
(٤) لأن النكرة لو وصفت بأشياء كثيرة لم يجز أن توصف بالمعرفة.
(٥) لا أعرف لمن هذه القراءة وذكرها صاحب التبيان ١١٧٦.
(٦) الكسرات والياء.
(٧) البحر ٨ / ١٢٦.