فإن قيل : قوله تعالى : (ذَواتا أَفْنانٍ) ، و (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) ، و (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ). أوصاف للجنتين المذكورتين ، فهو كالكلام الواحد ، تقديره : «جنتان ذواتا أفنان ، وفيهما عينان تجريان ، وفيهما من كل فاكهة زوجان» فما الفائدة في فصل بعضها عن بعض بقوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)؟ مع أنه لم يفصل حين ذكر العذاب بين الصفات ، بل قال : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ) مع أن إرسال النّحاس غير إرسال الشّواظ. وقوله : «يطوفون» كلام آخر؟.
فالجواب : أنه جمع العذاب جملة ، وفصل آيات الثواب ترجيحا لجانب الرحمة على جانب العذاب ، وتطييبا للقلب ، وتهييجا للسّامع ؛ فإن إعادة ذكر المحبوب محبوب ، وتطويل الكلام في اللذات مستحسن.
فإن قيل : ما وجه توسيط آية العينين بين ذكر الأفنان ، وآية الفاكهة والفاكهة إنما تكون على الأغصان ، فالمناسبة ألّا يفصل بين آية الأغصان والفاكهة؟.
فالجواب : أنه على عادة المتنعمين إذا خرجوا يتفرجون في البستان ، فأول قصدهم الفرجة بالخضرة والماء ، ثم يكون الأكل تبعا.
قوله : «متّكئين» يجوز أن يكون حالا من «من» في قوله (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) وإنما جمع حملا على معنى «من» بعد الإفراد حملا على لفظها.
وقيل : حال عاملها محذوف ، أي : يتنعمون متكئين.
وقيل : منصوب على الاختصاص.
والعامة على : «فرش» بضمتين ، وأبو حيوة (١) : بضمة وسكون ، وهي تخفيف منها.
قوله تعالى : (بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) هذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة والظاهر أنها صفة ل «فرش». وتقدم الكلام في «الاستبرق» في سورة الكهف (٢).
وقال أبو البقاء : أصل الكلمة فعل على «استفعل» ، فلما سمي به قطعت همزته (٣).
وقيل : هو أعجمي ، وقرىء (٤) بحذف الهمزة ، وكسر النون ، وهو سهو ؛ لأن ذلك لا يكون في الأسماء ، بل في المصادر والأفعال. انتهى. أما قوله : وهو سهو ؛ لأن ذلك لا يكون إلا في الأسماء ... الخ.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٣٣ ، والبحر المحيط ٨ / ١٩٥ ، والدر المصون ٦ / ٢٤٦.
(٢) آية رقم (٣١) ، وينظر : الدر المصون ٦ / ٢٤٦.
(٣) ينظر : الإملاء ٢ / ١٢٠٠ ، الدر المصون ٦ / ٢٤٦ ، ٢٤٧.
(٤) ينظر : السابق.