وقال الصادق : هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلا حفظ الإحسان إليه في الأبد.
قال ابن الخطيب : والأقرب أنه عام ، فجزاء كل من أحسن إلى غيره أن يحسن هو أيضا(١).
قوله تعالى : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)(٧٨)
قوله تعالى : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ).
أي : من دون تلك الجنتين المتقدمتين جنّتان في المنزلة وحسن المنظر ، وهذا على الظاهر من أن الأوليين أفضل من الأخريين ، وقيل : بالعكس ، ورجحه الزمخشري (٢).
وقال : قوله : (مُدْهامَّتانِ) مع قوله في الأوليين : (ذَواتا أَفْنانٍ) يدل على أن مرتبة هاتين دونهما ، وكذلك قوله في الأوليين : (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) مع قوله في هاتين : (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) ؛ لأن النضخ دون الجري ، وقوله في الأوليين : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ) مع قوله في هاتين : (فِيهِما فاكِهَةٌ) ، وقوله في الأوليين : (فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) حيث ترك ذكر الظهائر لعلوها ورفعتها ، وعدم إدراك العقول إياها ، مع قوله في هاتين : (رَفْرَفٍ خُضْرٍ) دليل عليه.
وقال القرطبي (٣) : لما وصف الجنتين أشار إلى الفرق بينهما ، فقال في الأوليين : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ) وفي الاخريين : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) ولم يقل : من كل فاكهة.
وقال في الأوليين : (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) وهو الدّيباج.
وفي الأخريين : (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) [الرحمن : ٧٦] و «العبقري» : الوشي ، والديباج أعلى من الوشي.
والرفرف : كسر الخباء ، والفرش المعدة للاتّكاء عليها أفضل من كسر الخباء.
__________________
(١) ينظر السابق.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٤٥٤ ، والبحر المحيط ٨ / ١٩٦ ، ١٩٧ ، والدر المصون ٦ / ٢٤٨.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١١٩ ، ١٢٠.