الثالث : أنه لمقابلة الجمع بالجمع ، والمعنى أن ذلك اليوم مع أني ألقي في جهنم عددا لا حصر له لا أكون بسبب كثرة التعذيب كثير الظلم لأنه قال : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، يَوْمَ نَقُولُ) ولم يقل : ما أنا بظلّام في جميع الأزمان. وخصص بالعبيد حيث قال : (ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، ولم يطلق فكذلك خصص (١) النفي بنوع من أنواع الظلم ولم يطلق ، ولم يلزم منه أن يكون ظالما في غير ذلك الوقت.
وبقية الأوجه مذكورة في آل عمران عند قوله : (بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)(٢) [آل عمران : ١١].
فصل
هذه الآية تدل على أن التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه ؛ لأنه نفى كونه ظلاما ولم يلزم منه كونه ظالما للعبيد ولم يلزم منه كونه ظلّاما لغيرهم.
فصل
يحتمل أن يكون المراد الكفار كقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ) [يس : ٣٠] ، والمعنى أعذبهم وما أنا بظلام لهم ، ويحتمل أن يكون المراد المؤمنين. والمعنى أن الله تعالى يقول : لو بدلت قولي ورحمت الكافر لكنت في تكليف العباد ظالما لعبادي المؤمنين لأني منعتهم من الشهواب لأجل هذا اليوم فلو كان ينال من لم يأت بما أتى به المؤمن لكان إتيان المؤمن بما أتى به من الإيمان والعبادة غير مفيد ، وهذا معنى قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) [الحشر : ٢٠] وقوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] ويحتمل أن يكون المراد التعميم.
قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنامَزِيدٌ)(٣٥)
قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ) يوم منصوب إما (بِظَلَّامٍ)(٣) ولا مفهوم لهذا ؛ لأنه إذا لم يظلم في هذا اليوم فنفي الظلم عنه في غيره أحرى. أو بقوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ). والإشارة بذلك إلى : يوم نقول. قاله الزمخشريّ (٤). واستبعده أبو حيّان ؛ لكثرة
__________________
(١) والفائدة في التخصيص أنه أقرب إلى التصديق من التعميم.
(٢) ولا أعرف مناسبة الآية الأخيرة لما قبلها.
(٣) وهو أحد قولي الزمخشري في الكشاف ٤ / ٩ ثم أبي حيان في البحر ٨ / ١٢٧ وأحد أقوال الرازي في تفسيره الكبير ٢٨ / ١٧٤.
(٤) الكشاف المرجع السابق.