والباقون : بالياء ، صفة للربّ ، فإنه هو الموصوف بذلك ، وأجمعوا على أن الواو في الأولى إلا من استثنى فيما تقدم.
فصل في تحرير معنى تبارك
«تبارك» تفاعل من «البركة».
قال ابن الخطيب (١) : وأصل التّبارك من التّبرك ، وهو الدوام والثبات ، ومنه برك البعير وبركة الماء ، فإن الماء يكون فيها دائما.
والمعنى : دام اسمه وثبت ، أو دام الخير عنده ؛ لأن البركة وإن كانت من الثبات ، لكنها تستعمل في الخير ، أو يكون معناه : علا وارتفع شأنه.
فصل في مناسبة هذه الآية لما قبلها
قال القرطبي (٢) : كأنه يريد به الاسم الذي افتتح به السّورة ، فقال : «الرحمن» فافتتح بهذا الاسم ، فوصف خلق الإنسان والجن ، وخلق السموات والأرض وصنعه ، وأنه (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ووصف تدبيره فيهم ، ثم وصف يوم القيامة وأهوالها وصفة النار ، ثم ختمها بصفة الجنان ، ثم قال في آخر السورة : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) أي : هذا الاسم الذي افتتح به هذه السورة ، كأنه يعلمهم أن هذا كله فرج لكم من رحمتي ، فمن رحمتي خلقتكم ، وخلقت لكم السماء والأرض ، والخليقة ، والخلق ، والجنة والنّار ، فهذا كله لكم من اسم الرحمن ، فمدح اسمه فقال : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) ، ثم قال : (ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) أي : جليل في ذاته كريم في أفعاله.
روى الثعلبي عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لكلّ شيء عروس ، وعروس القرآن سورة الرّحمن ، جل ذكره» (٣).
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ سورة الرّحمن رحم الله ضعفه ، وأدّى شكر ما أنعم الله ـ عزوجل ـ عليه» (٤).
والله ـ سبحانه وتعالى ـ الموفق الهادي إلى الخيرات ، اللهم ارحمنا برحمتك.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ١٢٠.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٢٥.
(٣) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢ / ٤٩٠) رقم (٢٤٩٤) وذكره السيوطي في «الجامع الصغير» رقم (٧٣١٩) وعزاه إلى البيهقي في «شعب الإيمان» ورمز له بالضعف.
قال المناوي في «فيض القدير» (٥ / ٢٨٦) : وفيه أحمد بن دبيس عده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال الدار قطني: ليس بثقة.
(٤) قال الحافظ ابن حجر في «تخريج الكشاف» (٤ / ٤٥٤) : أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بإسنادهم إلى أبي بن كعب.