الفواصل (١) أو باذكر مقدرا أو بأنذر (٢). وهو على هذين الأخيرين مفعول به لا ظرف. وقرأ نافع وأبو بكر : يقول لجهنّم بياء الغيبة (٣) ، والفاعل : الله تعالى ، لتقدم ذكره في قوله : (لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ) والأعمش : يقال (٤) مبنيا للمفعول. وقوله : (هَلِ امْتَلَأْتِ) وذلك لما سبق من وعده إياها أنه يملأها من الجنّة والنّاس وهذا السؤال من الله ـ عزوجل ـ لتصديق خبره وتحقيق وعده.
قوله : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) سؤال تقرير وتوقيف (٥). وقيل : معناه النفي. وقيل : السؤال لخزنتها والجواب منهم ، فلا بدّ من حذف مضاف أي نقول لخزنة جهنم ويقولون ثم حذف (٦). و «ال (مَزِيدٍ) يجوز أن يكون مصدرا (٧) أي من زيادة وأن يكون اسم مفعول أي من شيء تزيدونه أحرقه.
فصل
قال المفسرون : معنى قوله : هل من مزيد أي قد امتلأت ولم يبق فيّ موضع لم يمتلىء ، فهو استفهام إنكار بمعنى الاستزادة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس (رضي الله عنهم (٨)) وعلى هذا يكون السؤال وهو قوله : هل امتلأت قبل دخول جميع أهلها فيها. روي عن ابن عباس : أن الله تعالى سبقت كلمته : لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ، فلما سبق أعداء الله تعالى إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملأها فتقول : ألست قد أقسمت لتملأنّي فيضع قدمه عليها ثم يقول : هل امتلأت؟ فتقول : قط قط قد امتلأت وليس فيّ مزيد (٩).
قوله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) قربت وأدنيت (١٠) وقوله : (غَيْرَ بَعِيدٍ) يجوز أن يكون حالا من (الْجَنَّةُ) ولم يؤنث ؛ لأنها بمعنى البستان ، أو لأن «فعيلا» لا يؤنث ؛ لأنه بزنة
__________________
(١) قال : «وهذا بعيد جدا قد فصل على هذا القول بين العامل والمعمول بجمل كثيرة فلا يناسب هذا القول فصاحة القرآن وبلاغته» وانظر البحر ٨ / ١٢٧.
(٢) وانظر البحر والكشاف السابقين.
(٣) وهي قراءة سبعية متواترة انظر الكشاف لمكي ٢ / ٢٨٥ والسبعة ٦٠٧ والقرطبي ١٧ / ١٨.
(٤) مشى المؤلف في نسبته تلك كما مشى أبو حيان في البحر ٨ / ١٢٧ وقد نسبها ابن خالويه في المختصر ١٤٤ ، والقرطبي في الجامع ١٧ / ١٨ إلى ابن مسعود بينما نسبها أبو الفتح في المحتسب إليهما هما والحسن وانظر المحتسب ٢ / ٢٨٤.
(٥) في البحر : السؤال من الله تقرير ومن النار حقيقة.
(٦) وقد نقل أبو حيان في البحر هذا الرأي للرماني ٨ / ١٢٧.
(٧) أي مصدرا ميميا من الثلاثي.
(٨) زيادة من (أ).
(٩) وانظر هذا في تفسير البغوي على الخازن والخازن أيضا ٦ / ٢٣٧ و ٢٣٨.
(١٠) قاله ابن قتيبة في الغريب ٤١٩ وأبو عبيدة في مجاز القرآن ٢ / ٢٢٤.