فصل في معنى الآية
قال المفسرون (١) : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) أي : إذا قامت القيامة ، والمراد : النّفخة الأخيرة ، وسميت الواقعة لأنها تقع عن قرب.
وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشّدائد.
قال الجرجاني (٢) : «إذا» صلة ، أي : وقعت الواقعة ، كقوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] وهو كما يقال : جاء الصوم ، أي : دنا واقترب.
وقال القرطبي (٣) : فيه إضمار ، أي : اذكر إذا وقعت ، وعلى هذا «إذا» للتّوقيت ، والجواب قوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ).
وقال ابن الخطيب (٤) : أو يكون التقدير : إذا وقعت الزلزلة الواقعة يعترف بها كل أحد ، ولا يتمكّن أحد من إنكارها.
و (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ).
«الكاذبة» : مصدر بمعنى الكذب ، والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر (٥) كقوله تعالى : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) [الغاشية : ١١] أي : لغو ، والمعنى : ليس لها كذب.
قاله الكسائي.
ومنه قول العامة : عائذا بالله ، أي : معاذ الله ، وقم قائما ، أي : قم قياما.
وقيل : الكاذبة : صفة ، والموصوف محذوف ، أي : ليس لوقعتها حال كاذبة أو نفس كاذبة ، أي كل من يخبر عن وقعتها صادق.
وقال الزجاج (٦) : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) أي : لا يردها شيء. ونحوه قول الحسن وقتادة.
وقال الثوري : ليس لوقعتها أحد يكذب بها.
وقيل : إن قيامها جدّ لا هزل فيه (٧).
وقوله : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ).
قال عكرمة ومقاتل والسدي : خفضت الصوت فأسمعت من دنا ، ورفعت من نأى (٨) ، يعنى أسمعت القريب والبعيد.
وعن السّدي : خفضت المتكبرين ورفعت المستضعفين (٩).
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٢٦.
(٢) السابق.
(٣) السابق.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ١٢٢.
(٥) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٢٧.
(٦) ينظر : معاني القرآن ٥ / ١٠٧.
(٧) ينظر القرطبي ١٧ / ١٢٧.
(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٢٣) عن عكرمة والضحاك.
(٩) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢١٦) وعزاه إلى أبي الشيخ.