وإنما يليق عطفه على أصحاب الميمنة ، كأنه قيل : وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة والسابقون ، أي : وما السابقون؟ تعظيما لهم ، فيكونون شركاء أصحاب الميمنة في التعظيم ، ويكون قوله على هذا : (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) اعتراضا بين المتعاطفين ، وفي هذا الوجه تكلف كثير جدا (١).
فصل في المراد بالسابقين (٢)
قال عليه الصلاة والسلام : «السّابقون الّذين إذا أعطوا الحقّ قبلوه ، وإذا سئلوه بذلوه ، وحكموا للنّاس كحكمهم لأنفسهم» (٣).
ذكره المهدوي.
وقال محمد بن كعب القرظي : هم الأنبياء (٤).
وقال الحسن وقتادة : هم السابقون إلى الإيمان من كل أمة (٥).
وقال محمد بن سيرين : هم الذين صلّوا إلى القبلتين (٦) ، قال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) [التوبة : ١٠٠].
وقال مجاهد والضحاك : هم السّابقون إلى الجهاد ، وأول الناس رواحا إلى صلاة الفرائض في الجماعة (٧) وقال علي رضي الله عنه : هم السابقون إلى الصّلوات الخمس (٨).
وقال سعيد بن جبير : إلى التوبة ، وأعمال البر ، قال تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [آل عمران : ١٣٣] ثم أثنى عليهم فقال : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) [المؤمنون : ٦١].
وقيل : إنهم أربعة : منهم سابق أمة موسى ، وهو حزقيل مؤمن آل فرعون ، وسابق أمة عيسى ، وهو حبيب النّجّار صاحب «أنطاكية» ، وسابقان في أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهما أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ قاله ابن عباس.
حكاه الماوردي.
وقال شميط بن العجلان : النّاس ثلاثة : فرجل ابتكر للخير في حداثة سنه ، ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا ، فهذا هو السّابق المقرب ثم طول الغفلة ثم رجع بتوبته حتى
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٥٤.
(٢) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٢٩.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٢٩).
(٤) ينظر المصدر السابق.
(٥) ينظر المصدر السابق.
(٦) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٢٨٠).
(٧) ينظر المصدر السابق.
(٨) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٢٩).