فصل في تفسير الآية (١)
قال الحسن ، والضحاك ، وابن زيد : (يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) أي : يقيمون على الشرك (٢).
وقال قتادة ومجاهد : الذّنب العظيم الذي لا يتوبون منه (٣).
وقال الشّعبي : هو اليمين الغموس ، وهي من الكبائر ، يقال : حنث في يمينه ، أي : لم يبرّها ورجع فيها ، وكانوا يقسمون أن لا بعث ، وأن الأصنام أنداد الله فذلك حنثهم.
فصل في الحكمة من ذكر عذاب هذه الطائفة
قال ابن الخطيب (٤) : والحكمة في ذكره سبب عذابهم ، ولم يذكر في أصحاب اليمين سبب ثوابهم ، فلم يقل : إنهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين ، وذلك تنبيه على أن ذلك الثواب منه فضل ، والعقاب منه عدل ، والفضل سواء ذكر سببه ، أو لم يذكره لا يتوهّم بالمتفضل نقص وظلم.
وأمّا العدل إن لم يعلم سبب العقاب ، يظن أن هناك ظلما ، ويدلّ على أنه تعالى لم يقل في أصحاب اليمين : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) كما قاله في السّابقين ؛ لأن أصحاب اليمين نجوا بالفضل العظيم لا بالعمل ، بخلاف من كثرت حسناته يحسن إطلاق الجزاء في حقه.
واعلم أن المترف هو المنعم ، وذلك لا يوجب ذمّا ، وإنما حصل لهم الذم بقوله : (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) ، فإن صدور المعاصي ممن كثرت النّعم عليه [من] أقبح القبائح، فقال : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) ، ولم يشكروا نعم الله ، بل أصروا على الذنب العظيم.
وفي الآية مبالغة (٥) ؛ لأن قوله : (وَكانُوا يُصِرُّونَ) يقتضي أن ذلك عادتهم ، والإصرار على مداومة المعصية والحنث أبلغ من الذنب ؛ لأن الذنب يطلق على الصغيرة ، ويدل على ذلك قولهم : «بلغ الحنث» أي : بلغ مبلغا تلحقه فيه الكبيرة.
وأما الصغيرة فتلحق الصغير ، فإن وليّه يعاقبه على إساءة الأدب ، وترك الصلاة ، ولأن وصفه بالعظيم مبالغة. قاله ابن الخطيب (٦).
قوله تعالى : (وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا) الآية.
__________________
(١) ينظر القرطبي ١٧ / ١٣٨.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (١١ / ٦٤٨) عن الضحاك وابن زيد.
(٣) ينظر المصدر السابق.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٢٩ / ١٤٨.
(٥) الفخر الرازي ٢٩ / ١٤٩.
(٦) السابق ٢٩ / ١٥٠.