حيث النّحو ، فلأن الحقائق لا يوصف بها ، فلا يقال : جسم رجل جاءني ، كما يقال : جسم ناطق جاءني ؛ لأنّ الوصف يقوم بالموصوف والحقيقة تقوم بنفسها لا بغيرها (١). فقولنا : عالم أي شيء له علم (٢).
فصل
والخشية والخوف معناهما واحد عند أهل اللغة ، لكن بينهما فرق ، وهو أن الخشية خوف من عظمة المخشيّ ، لأن تركيب حروف «ش ي خ» في تقاليبها يلزمه معنى الهيبة ، يقال : شيخ للسّيّد وللرجل الكبير السّنّ ، وهما جميعا مهيبان والخوف خشية من ضعف الخاشي ، لأنّ تركيب «خ وف» في تقاليبها يدل على الضعف ، ويدل على ذلك أنه حيث كان الخوف من عظمة المخشيّ قال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] ، وقال : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [الحشر : ٢١] وقال : (هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) [المؤمنون : ٥٧] مع أن الملائكة والجبل أقوياء وحيث كان الخوف من ضعف الخاشي سماه خوفا قال تعالى : (أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) [فصلت: ٣٠] أي بسبب مكروه يلحقكم في الآخرة. وقال تعالى : (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) [القصص : ١٨] وقال : «إنّي أخاف أن يقتلون» (٣) لوحدته وضعفه هذا في أكثر الاستعمال وربما يتخلف (المدّعى عنه لكن الكثرة كافية) (٤).
فصل
معنى الآية من خاف الرحمن فأطاعه بالغيب ، ولم يره. وقال الضّحاك والسّدي : يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد. قال الحسن : إذا أرخى الستر وأغلق الباب.
(وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) هذه صفة مدح ، لأن شأن الخائف أن يهرب ، فأما المتقي فجاء ربه لعلمه أنه لا ينجي الفرار منه (٥).
وقوله : (مُنِيبٍ) أي مخلص مقبل على طاعة الله تعالى. والباء في (بِقَلْبٍ) إما للتعدية (٦) ، وإما للمصاحبة (٧) ، وإما للسببية (٨).
__________________
(١) وكل ما يقع وصفا للغير يكون معناه شيء له كذا.
(٢) وتلك من المقولات الفلسفية التي اشتهر بها الإمام الفخر الرازي وتوضيح الكلام أن من خشي عند الرازي وقصده حقيقة لا تقوم بغيرها فهي غير تامة. وانظر تفسيره ٢٨ / ١٧٧.
(٣) الأصحّ قرآنيا : فَأَخافُ* وهي ١٤ من الشعراء و ٣٣ من القصص.
(٤) زيادة من الرازي لتحقيق المراد وتوضحيه وانظر الرازي المرجع السابق.
(٥) البغوي ٦ / ٢٣٨ والقرطبي ١٧ / ٢١.
(٦) أي أحضر قلبا سليما.
(٧) أي مع قلب.
(٨) وهي الأعرف. وانظر الرازي المرجع السابق. والسببية معناها جاء بسبب قلبه المنيب.