ومعنى الآية : هذا أول ما يلقونه من العذاب يوم القيامة كالنّزل الذي يعد للأضياف تكرمة لهم ، [وفيه](١) تهكم (٢) ، كقوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [التوبة : ٩].
قوله تعالى : (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ)(٦٢)
قوله : (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ).
تحضيض ، أي : فهلا تصدقون بالبعث ؛ لأن الإعادة كالابتداء. وقيل : المعنى نحن خلقنا رزقكم ، فهلا تصدقون أن هذا طعامكم إن لم تؤمنوا ، أو متعلق التصديق محذوف ، تقديره : فلو لا تصدقون بخلقنا (٣).
قوله : (أَفَرَأَيْتُمْ).
[هي](٤) بمعنى : «أخبروني» ومفعولها الأول «ما تمنون».
والثاني الجملة الاستفهامية. وقد تقدم تقريره (٥).
والمعنى : ما تصبّونه من المنيّ في أرحام النّساء (٦).
وقرأ العامّة : «تمنون» بضم التّاء ، من «أمنى يمني».
وابن عبّاس وأبو السّمال (٧) : بفتحها من «منى يمني».
قال الزمخشري (٨) : يقال : أمنى النّطفة ومناها ، قال الله تعالى : (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) [النجم : ٤٦].
فظاهر هذا أنه استشهاد للثلاثي ، وليس فيه دليل له ، إذ يقال من الرباعي أيضا : تمني ، كقولك : «أنت تكرم» وهو من «أكرم» (٩).
وقال القرطبي (١٠) : ويحتمل أن يختلف معناهما عندي ، فيكون «أمنى» إذا أنزل عند جماع ، و «منى» إذا أنزل عند احتلام ، وفي تسمية المنيّ منيّا وجهان :
أحدهما : لإمنائه ، وهو إراقته.
__________________
(١) في ب : وهذا.
(٢) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٣٩.
(٣) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٦٣.
(٤) سقط من ب.
(٥) سورة الكهف آية ٦٣.
(٦) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٤٠.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٤٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٢١٠ ، والدر المصون ٦ / ٢٦٣.
(٨) الكشاف ٤ / ٤٦٥.
(٩) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٦٣.
(١٠) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٤٠ ، وقد نقلها القرطبي عن الماوردي في النكت والعيون ٥ / ٤٥٨.