الثاني : لتقديره ، وهو المنّ الذي يوزن به ؛ لأنه مقدار لذلك ، فكذلك المنيّ مقدار صحيح لتصوير الخلقة.
قوله : (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ). يجوز فيه وجهان (١) :
أحدهما : أنه فاعل فعل مقدر ، أي : «أتخلقونه» فلما حذف الفعل لدلالة ما بعده عليه انفصل الضّمير ، وهذا من باب الاشتغال.
والثاني : أن «أنتم» مبتدأ ، والجملة بعده خبر.
والأول أرجح لأجل أداة الاستفهام.
وقوله : «أم» يجوز فيها وجهان (٢) :
أحدهما : أنها منقطعة ؛ لأنّ ما بعدها جملة ، وهي إنما تعطف المفردات.
والثاني : أنها متّصلة.
وأجابوا عن وقوع الجملة بعدها بأن مجيء الخبر بعد «نحن» أتي به على سبيل التّوكيد ؛ إذ لو قال : «أم نحن» لاكتفي به دون الخبر ، ونظير ذلك جواب من قال : «من في الدّار»؟ زيد في الدار ، «أو زيد فيها» ، ولو اقتصر على «زيد» لكان كافيا.
ويؤيد كونها متصلة أن الكلام يقتضي تأويله ، أي : الأمرين واقع ، وإذا صلح كانت متصلة ، إذ الجملة بتأويل المفرد.
ومفعول «الخالقون» محذوف لفهم المعنى أي : «الخالقوه».
فصل في تحرير معنى الآية
والمعنى : أنتم تصورون منه الإنسان (أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) المقدّرون المصورون ، وهذا احتجاج عليهم ، وبيان للآية الأولى ، أي : إذا أقررتم بأنا خالقوه لا غير ، فاعترفوا بالبعث.
قال مقاتل : نحن خلقناكم ولم تكونوا شيئا ، وأنتم تعلمون ذلك ، فهلّا تصدقون بالبعث(٣).
قوله : (نَحْنُ قَدَّرْنا).
قرأ ابن كثير (٤) : «قدرنا» بتخفيف الدال.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٦٣.
(٢) السابق.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٢٨٧).
(٤) ينظر : السبعة ٦٢٣ ، والحجة ٦ / ٢٦١ ، وإعراب القراءات ٢ / ٣٤٧ ، وحجة القراءات ٦٩٦ ، والعنوان ١٨٥ ، وشرح الطيبة ٦ / ٣٨ ، وشرح شعلة ٥٩٦ ، وإتحاف ٢ / ٥١٦.