قال الحسن : أي : نجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم (١).
وقيل : المعنى ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا ، فيجمّل المؤمن ببياض وجهه ، ويقبح الكافر بسواد وجهه.
وقال سعيد بن المسيب : قوله : (فِي ما لا تَعْلَمُونَ) يعني في حواصل طير سود تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف ، و «برهوت» : واد في «اليمن» (٢).
وقال مجاهد : (فِي ما لا تَعْلَمُونَ) أي : في أي خلق شئنا (٣).
وقيل : ننشئكم في عالم فيما لا تعلمون ، وفي مكان لا تعلمون.
قال ها هنا : (قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ).
وقال في سورة «الملك» : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) [الملك : ٢] بلفظ الخلق ؛ لأن المراد هناك بيان كون الموت والحياة مخلوقين ، وها هنا ذكر حياتهم ومماتهم (٤).
قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى).
أي : إذ خلقتم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ولم تكونوا شيئا (٥). قاله مجاهد وغيره.
وهذا تقرير للنشأة الثّانية (٦).
وقال قتادة والضحاك : يعني خلق آدم عليه الصلاة والسلام (٧).
(فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ). أي : فهلا تذكرون.
قرأ طلحة (٨) : «تذكرون» بسكون «الذال» ، وضم «الكاف».
وفي الخبر : «عجبا كل العجب للمكذّب بالنّشأة الآخرة ، وهو يرى النّشأة الأولى ، وعجبا للمصدّق بالنّشأة الآخرة ، وهو يسعى لدار الغرور».
قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ)(٦٧)
قوله : (أَفَرَأَيْتُمْ) وما بعده تقدم نظيره ، وهذه حجة أخرى ، أي : أخبروني عما
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٢٨٧).
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٥١).
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٢٩ / ١٥٥.
(٥) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٤٠.
(٦) ينظر تفسير القرطبي (١٧ / ١٤٠).
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٥٢) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٣٠) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٨) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٤٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٢١١ ، والدر المصون ٦ / ٢٦٤.