والقلب المنيب كالقلب السليم في قوله تعالى : (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الصافات: ٨٤] أي سليم من الشرك.
قوله : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) الجار والمجرور حال من فاعل (ادْخُلُوها) أي سالمين من الآفات فهي حال مقارنة (١) ، أو مسلّما عليكم فهي حال مقدرة (٢) كقوله : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزمر : ٧٣]. كذا قيل (٣) وفيه نظر ، إذ لا مانع من مقارنة وتسليم الملائكة عليهم حال الدخول بخلاف فادخلوها خالدين فإنه لا يعقل الخلود إلا بعد الدخول (٤) ، والضمير في (ادْخُلُوها) عائد إلى الجنة ، أي ادخلوا الجنة بسلامة من العذاب والهموم وقيل : بسلام من الله وملائكته عليهم (٥).
قوله : (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) قال أبو البقاء : أي ومن ذلك يوم الخلود (٦) كأنّه جعل (ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدم من إنعام الله عليهم بما ذكره ، وقيل (ذلِكَ) مشار به لما بعده من الزّمان ، كقولك : هذا زيد (٧). قال الزمخشري : في قوله : (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) إضمار تقديره : ذلك يوم تقرير (٨) الخلود. ويحتمل أن يقال : اليوم يذكر ويراد به الزمان المطلق سواء كان يوما أو ليلا ، تقول : يوم يولد لفلان (٩) يكون السرور العظيم ، ولو ولد له بالليل لكان السرور حاصلا فالمراد به الزّمان فكأنه تعالى قال : ذلك زمان الإقامة الدّائمة (١٠).
فإن قيل : المؤمن قد علم أنه إذا دخل الجنة خلد فيها فما فائدة القول؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أن قوله : (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) قول قاله الله في الدنيا ، إعلاما وإخبارا ، وليس ذلك قولا يقوله عند قوله : (ادْخُلُوها) ، فكأنه تعالى أخبر في يومنا أنّ ذلك اليوم يوم الخلود.
__________________
(١) والحال المقارنة هي المقارنة لعاملها وهو الغالب فيها.
(٢) وهي المستقبلة نحو : «مررت برجل معه سيف مقاتلا به غدا» أي مقدرا ذلك. وعلى ذلك فالتنظير في الآية معناه : يسلّم عليكم بعد.
(٣) ذكره أبو حيان في بحره المحيط دون أن يحدد من قال به وانظر البحر ٨ / ١٢٨.
(٤) أي أن الحال المقارنة تظهر أكثر في تلك الآية آية «ق» من آية الزمر وفي ذلك اعتراض على أبي حيان صاحب الرأي أصلا. ويلمح من كلام الزمخشري في الكشاف مقارنة الحال وتقديرها في آية «ق» هذه وهي «بسلام».
(٥) البغويّ في معالم التنزيل ٦ / ٢٣٨.
(٦) التبيان ١١٧٧.
(٧) لم أعثر عليه لمعين.
(٨) في النسختين كذلك وفي الكشاف : تقديره بالدال وكلاهما متقاربان.
(٩) في (ب) له بدل لفلان.
(١٠) وهو رأي وجيه من المؤلف وإن كان قليلا بالنسبة إلى الدقة. وقد نقله عن الرازي في تفسيره الكبير انظر ٢٨ / ١٨٠.