فإدخال «لو» على «تعلمون» أفاد أن علمهم منتف ، سواء علمنا الجزاء أم لم نعلم.
وهذا كقولهم في الفعل المتعدّي : فلان يعطي ويمنع ، حيث لا يقصد منه مفعولا ، وإنما يراد إثبات القدرة.
الثاني : أنّ جوابه مقدر ، تقديره : لو تعلمون لعظّمتموه ، لكنكم ما عظّمتموه ، فعلم أنكم لا تعلمون ، إذ لو تعلمون لعظم في أعينكم ، ولا تعظيم فلا تعلمون.
قوله : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ).
هذا هو القسم عليه ، وعلى هذا فيكون في هذا الكلام اعتراضان (١) :
أحدهما : الاعتراض بقوله : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ) بين القسم والمقسم عليه.
والثاني : الاعتراض بقوله : (لَوْ تَعْلَمُونَ) بين الصفة والموصوف.
ومنع ابن عطية (٢) أن يجعل قوله : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ) اعتراضا.
فقال : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ) تأكيد للأمر ، وتنبيه من المقسم به ، وليس هذا باعتراض بين الكلامين ، بل هذا معنى قصد التهكّم به ، وإنما الاعتراض قوله : (لَوْ تَعْلَمُونَ).
قال شهاب الدين (٣) : «وكونه تأكيدا ومنبّها على تعظيم المقسم به لا ينافي الاعتراض ، بل هذا معنى الاعتراض وفائدته».
«والهاء» في «إنه لقرآن» تعود على القرآن ، أي : إن القرآن لقسم عظيم.
قاله ابن عبّاس وغيره (٤).
وقيل (٥) : أي ما أقسم الله به عظيم (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) ذكر المقسم عليه ، أي : أقسم بمواقع النجوم أن هذا القرآن قرآن ليس بسحر ولا كهانة ولا بمفترى ، بل هو قرآن كريم ، محمود جعله الله معجزة نبيه ، وهو كريم على المؤمنين ؛ لأنّه كلام ربهم وشفاء صدورهم ، كريم على أهل السماء والأرض ؛ لأنه تنزيل ربهم ووحيه.
وقيل : «كريم» أي : غير مخلوق.
وقيل : «كريم» لما فيه من كرم الأخلاق ، ومعالي الأمور.
وقيل : لأنه يكرم حافظه ، ويعظم قدره.
فصل في تحرير معنى الآية
قال ابن الخطيب (٦) : «كريم» أي : لا يهون بكثرة التلاوة ؛ لأن الكلام متى أعيد
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٦٧.
(٢) المحرر الوجيز ٥ / ٢٥١.
(٣) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٦٧.
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٤٥).
(٥) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٤٥.
(٦) ينظر : التفسير الكبير ٢٩ / ١٦٦.