نفسه» لا يشك السامع بأن المراد منه أن في الدّار قاعد ، وأنه لا يريد به أنه رجل إذا كان في الدّار غير رجل إذا كان خارجا ، ولا يشك أيضا أنه لا يريد أنه كريم وهو في البيت ، فكذلك ها هنا معناه : أنه كريم في كتاب.
فإذا قيل : «فلان رجل كريم في نفسه» يعلم كل أحد أن القائل لم يجعله رجلا مظروفا ، وأن القائل لم يرد أنه رجل في نفسه قاعد أو قائم ، وإنما أراد أن كرمه في نفسه ، وكذا قوله : (لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي لَوْحٍ) أي : أنه لم يكن كريما عند الكفّار.
الثاني : أن المظروف هو مجموع قوله تعالى : (لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) أي : هو كذا في كتاب كقوله تعالى (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) [المطففين : ١٩] ، كتاب أي : في كتاب الله تعالى.
والمعنى : أن في اللوح المحفوظ مكتوب : إنه قرآن كريم.
فصل في معنى الكتاب
قال ابن الخطيب (١) : فإن قيل : كيف سمي الكتاب كتابا ، والكتاب «فعال» وهو إما مصدر كالحساب والقيام ونحوهما ، أو لما يكتب كاللّباس ونحوه ، وكيفما كان ، فالقرآن لا يكون في القرطاس ؛ لأنه بمعنى المصدر ، ولا يكون في مكتوب ، وإنما يكون مكتوبا في لوح ، أو ورق ، فالمكتوب لا يكون في الكتاب ، وإنما يكون في القرطاس؟.
وأجاب بأن اللوح لما لم يكن إلّا لأن يكتب فيه صح تسميته كتابا.
وقوله : (فِي كِتابٍ) إما خبر بعد خبر ، وإما صفة ل «كريم» ، وإما معمول ل «كريم».
والأصح أنّ الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ ، لقوله تعالى : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج : ٢١ ، ٢٢].
قوله : (لا يَمَسُّهُ).
في «لا» هذه وجهان (٢) :
أحدهما : أنها نافية ، فالضمة في «لا يمسّه» ضمة إعراب.
وعلى هذا القول ففي الجملة وجهان :
أحدهما : أن محلها الجر صفة ل «كتاب» ، والمراد به : إما اللوح المحفوظ ، و «المطهّرون» حينئذ : الملائكة ، أو المراد به المصاحف ، والمراد ب «المطهرين» : المكلفون كلهم.
والثاني : أن محلها الرفع صفة ل «قرآن». والمراد ب «المطهرين» : الملائكة فقط ،
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٢٩ / ١٦٧.
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٦٧.