ودميت فحذف المضاف ، وذلك لكثرة تطوافهم (١).
قوله : (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) مبتدأ (٢) أو خبر مضمر تقديره : هل لمن سلك طريقهم. أو هل لهم من محيص (٣). وهذه الجملة يحتمل أن تكون على إضمار قول (٤) وأن لا تكون (٥).
فصل
المعنى فنقّبوا أي فضربوا وسافروا وتقلبوا ، وأصله من النّقب وهو الطريق كأنهم سلكوا كلّ طريق ، فلم يجدوا محيصا من أمر الله. وعلى هذا فالمراد بهم أهل مكة ، أي ساروا في الأسفار ورأوا ما فيها من الآثار ولم يجدوا ملجأ ومهربا.
وقيل : المعنى صاروا نقباء في الأرض أراد ما أفادهم بطشهم وقوّتهم ؛ لأن الفاء تدل على ترتيب الأمر على مقتضاه تقول : كان زيد أقوى من عمرو فغلبه. والمعنى كانوا أشدّ منهم بطشا فصاروا نقباء في الأرض ، وهم قوم ثمود الذين جابوا الصخر بالواد ، ومن قوتهم خرقوا الطّرق ونقّبوها وقطعوا الصّخور (٦).
وقيل : (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) مفر من (٧) الموت ، فلم يجدوا. وهذا جمع بين الإنذار بالعذاب العاجل والعقاب الآجل ؛ لأنه أنذرهم بما يعجل لهم من العذاب المهلك ، والإهلاك المدرك. وهذا إنذار لأهل مكة لأنهم على مثل سبيلهم.
فإن قيل : إذا كان (ذلك للجمع) (٨) بين الإنذار بالعذاب العاجل والعقاب الآجل فلم توسّطهما قوله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ)؟
فالجواب : ليكون ذلك ردعا (٩) بالخوف والطمع ، فذكر حال الكفور (المعاند) (١٠) ، وحال الشكور ترهيبا وترغيبا.
فإن قيل : لم لم يجمع بين التّرهيب والترغيب في العاجلة كما جمع بينهما في الآجلة ولم يذكر حال من أسلم من قبل وأنعم عليه كما ذكر حال من أشرك به وأهلكه؟
__________________
ـ ظاهر الكتب تنسب القراءة إليهما بكسر القاف مع تشديدها. وقد ذكر هذه القراءة أبو حيان في البحر ٨ / ١٢٩ دون نسبة.
(١) المرجع السابق.
(٢) يقصد «مَحِيصٍ» وهو مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
(٣) وهو ظاهر كلام أبي البقاء في التبيان ١١٧٧.
(٤) أي يقولون هل من محيص فتكون لا محلّ لها من الإعراب مقول القول.
(٥) أي لا محيص من الموت فيكون توقيفا وتقريرا. قاله أبو حيان في مرجعه السابق.
(٦) وانظر الرازي ٢٨ / ١٨١ و ١٨٢.
(٧) البغوي ٦ / ٢٣٨.
(٨) سقط من (ب).
(٩) كذا في النسختين وفي الرازي : دعاء.
(١٠) سقط كذلك من (ب).