روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظّاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنّا الدّين ، وأغننا من الفقر» (١) ، عنى بالظاهر الغالب ، وبالباطن العالم ، والله أعلم.
قوله : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
مما كان أو يكون لا يخفى عليه شيء ، وهذا معنى قول ابن عباس.
قال ابن الخطيب (٢) : الظّاهر بحسب الدلائل ، والباطن بحسب الحواس.
والقول بأن الباطن هو العالم ضعيف ؛ لأنه يلزم منه التكرار في قوله : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) بما كان أو يكون».
فصل في إثبات وحدانية الله
قال ابن الخطيب : احتج كثير من العلماء في إثبات أنّ الإله واحد بقوله : (هُوَ الْأَوَّلُ) ، قالوا : الأول هو الفرد السّابق ، ولهذا لو قال : أول مملوك اشتريته فهو حر ، ثم اشترى عبدين لم يعتقا ؛ لأن شرط كونه أولا حصول الفردية ، وهنا لم تحصل ، فلو اشترى بعد ذلك عبدا واحدا لم يعتق ؛ لأن شرط الأولية كونه سابقا ، وها هنا لم يحصل ، فثبت أن الشّرط في كونه أولا أن يكون فردا ، فكانت الآية دالة على أنّ صانع العالم فرد (٣).
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ).
تقدم [في «الأعراف»](٤) ، والمقصود منه دلائل القدرة (٥).
(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) أي : يدخل فيها من مطر وغيره.
(وَما يَخْرُجُ مِنْها) من نبات وغيره.
(وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من رزق ومطر وملك.
(وَما يَعْرُجُ فِيها) يصعد فيها من الملائكة ، وأعمال العباد (وَهُوَ مَعَكُمْ) يعني : بقدرته وسلطانه وعلمه.
(أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ينظر أعمالكم ويراها ، ولا يخفى عليه شيء منها (٦).
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٨٤) كتاب الذكر والدعاء ، باب : ما يقول عند النوم حديث (٦١ / ٢٧١٣) وأحمد (٢ / ٥٣٦) من حديث أبي هريرة.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ١٨٦.
(٣) ينظر : التفسير الكبير ٢٩ / ١٨٦.
(٤) في أ : إعرابه.
(٥) الرازي ٢٩ / ١٨٧.
(٦) القرطبي ١٧ / ١٥٤.