أي : صدقوا أن الله واحد ، وأن محمدا عبده ورسوله.
«وأنفقوا» : تصدقوا وقيل : أنفقوا في سبيل الله.
وقيل : المراد : الزكاة المفروضة.
وقيل : غيرها من وجوه الطاعات ، وما يتقرب به.
وقوله تعالى : (مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) دليل على أن أصل الملك لله سبحانه وتعالى ، وأن العبد ليس له فيه إلّا التصرف الذي يرضي الله تعالى ، فيثيبه على ذلك بالجنة ، فمن أنفق منها في حقوق الله ، وهان عليه الإنفاق منها كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره ، إذا أذن له فيه ، كان له الثواب الجزيل (١).
وقال الحسن : (مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) بوراثتكم إياه عمن كان قبلكم ، وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة ، وما أنتم فيها إلا بمنزلة النّواب والوكلاء ، فاغتنموا الفوز ، فإنها بإقامة الحق قبل أن تزال عنكم إلى من بعدكم.
«فالذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم ، وأنفقوا في سبيل الله لهم أجر كبير» وهو الجنة.
فصل في الكلام على الآية
قال القاضي : هذه الآية تدل على أن هذا الأجر لا يحصل بالمال وحده حتى يضاف إليه هذا الإنفاق ، فمن أخل بالواجب من زكاة وغيرها فلا أجر له (٢).
قال ابن الخطيب (٣) : وهذا استدلال ضعيف ؛ لأنه لا يلزم من نفي الأجر الكبير نفي أصل الأجر ، فلم قلتم : إنها [تدل على أنه](٤) لا أجر له أصلا؟.
فإن قيل (٥) : قوله «آمنوا بالله» خطاب مع من عرف الله أو مع من لم يعرف الله ، فإن كان الأول كان ذلك أمرا بأن يعرف من عرفه ، وذلك أمر بتحصيل الحاصل ، وهو محال.
وإن كان الثاني كذلك كان ذلك الخطاب متوجّها على من لم يكن عارفا به ، ومن لم يكن عارفا يستحيل أن يكون عارفا بأمره ، فيكون الأمر متوجّها على من يستحيل أن يعرف كونه مأمورا بذلك الأمر ، وهو تكليف ما لا يطاق.
قال ابن الخطيب (٦) : والجواب من النّاس من قال : معرفة وجود الصّانع حاصلة للكل ، وإنما المقصود من هذا الأمر معرفة الصفات.
__________________
(١) السابق.
(٢) التفسير الكبير ٢٩ / ١٨٩.
(٣) السابق.
(٤) سقط من أ.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ١٨٨.
(٦) السابق.