فصل في الكلام على الإنفاق (١)
لما أمر أولا بالإيمان وبالإنفاق ، ثم أكّده في الآية المتقدمة بإيجاب الإيمان بالله أتبعه في هذه الآية بتأكيد إيجاد الإنفاق ، والمعنى : أنكم ستموتون فتورثون ، فهلا قدّمتموه في الإنفاق على طاعة الله؟.
وتحقيقه : أن المال لا بد وأن يخرج من اليد ، إما بالموت وإما بالإنفاق في سبيل الله ، فإن خرج بالموت كان أثره اللّعن والمقت والطرد والعقاب ، وإن خرج بالإنفاق في سبيل الله كان أثره المدح والثواب وإذا كان لا بد من خروجه من اليد ، فكل عاقل يعلم أن خروجه عن اليد بحيث يستعقب المدح والثواب أولى منه مما يستعقب اللعن والعقاب ، ثم لما بين تعالى أن الإنفاق في سبيل الله فضيلة بيّن أن المسابقة في الإنفاق تمام الفضيلة ، فقال : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ).
قوله : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ).
في فاعل «يستوي» وجهان (٢) :
أظهرهما : أنه «من أنفق» وعلى هذا فلا بد من حذف معطوف يتم به الكلام ، فقدره الزمخشري (٣) : لا يستوي منكم من أنفق قبل فتح «مكة» وقوة الإسلام ، ومن أنفق من بعد الفتح ، [فحذف لوضوح الدلالة](٤).
[وقدره أبو البقاء (٥) : «ومن لم ينفق».
قال : ودلّ على المحذوف قوله : (مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ). (٦)
والأول أحسن ؛ لأن السّياق إنما جيء بالآية ليفرق بين النّفقتين في زمانين.
والثاني : أن فاعله ضمير يعود على الإنفاق ، أي : لا يستوي جنس الإنفاق إذ منه ما وقع قبل الفتح ، ومنه ما وقع بعده.
فهذان النّوعان متفاوتان ، وعلى هذا فيكون «من» مبتدأ ، و «أولئك» مبتدأ ثاني ، و «أعظم» خبره ، والجملة خبر «من». وهذا ينبغي ألّا يجوز ألبتة.
وكأن هذا المعرب غفل عن قوله : «منكم» ، فلو أعرب هذا القائل «منكم» خبرا مقدما ، و «من» مبتدأ مؤخرا ، والتقدير : منكم من أنفق من قبل الفتح ، ومنكم من لم ينفق قبله ولم يقاتل ، وحذف هذا لدلالة الكلام عليه لكان سديدا ، ولكنه سها عن لفظة «منكم»(٧).
__________________
(١) التفسير الكبير ١٩ / ١٩٠.
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٧٣.
(٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٤٧٤.
(٤) سقط من أ.
(٥) ينظر : الإملاء ٢ / ١٢٠٧.
(٦) سقط من أ.
(٧) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٧٤.