فصل في المراد بالفتح
أكثر المفسرين (١) على أن المراد بالفتح فتح «مكة».
وقال الشعبي والزهري : فتح «الحديبية» (٢).
قال قتادة : كان قتالان ، أحدهما أفضل من الآخر ، ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى ؛ لأن القتال والنفقة قبل فتح «مكة» أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك ، وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم ، لأن حاجة النّاس كانت أكثر لضعف الإسلام ، وفعل ذلك كان على المنفقين حينئذ أشق ، والأجر على قدر النّصب (٣).
قال مالك رضي الله عنه : ينبغي أن يقدم أهل الفضل والعزم لقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ).
قال الكلبي : نزلت في أبي بكر وفيها دليل واضح على تفضيل أبي بكر وتقديمه ؛ لأنه أوّل من أسلم ، وأول من أنفق في سبيل الله (٤).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أوّل من أظهر الإسلام بسيفه النبي صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر.
وعن ابن عمر قال : «كنت عند النبي صلىاللهعليهوسلم وعنده أبو بكر ، وعليه عباءة قد خلّلها في صدره بخلال ، فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام فقال : يا نبي الله ، ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال؟ قال : «أنفق ماله عليّ قبل الفتح» ، قال : فإن الله تعالى يقول لك : اقرأ على أبي بكر السلام ، وقل له : أنت راض في فقرك أم ساخط؟ فقال أبو بكر : إني عن ربي لراض ، قال : فإن الله ـ تعالى ـ يقول لك : قد رضيت عنك كما أنت عني راض ، فبكى أبو بكر ، فقال جبريل : والذي بعثك يا محمد بالحق لقد تخلّلت حملة العرش بالعبى منذ تخلّل صاحبك هذا بالعباءة» (٥).
ولهذا قدمه الصحابة على أنفسهم وأقرّوا له بالتقدم والسبق.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : سبق النبي صلىاللهعليهوسلم وثنى أبو بكر وثلث عمر ، فلا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته حد [المفتري] ثمانين جلدة وطرح الشهادة (٦).
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٥٦.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٧٤) عن الشعبي وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٢٩٤).
(٣) ذكره القرطبي (١٧ / ١٥٦) عن قتادة.
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥) والقرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٥٦) والرازي (٢٩ / ١٩١).
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٥٦).