وهذا الذي قاله أبو علي ممنوع (١) ، ألا ترى أنه ينصب بعد «الفاء» في جواب الاستفهام بالأسماء ، وإن لم يتقدم فعل نحو : أين بيتك فأزورك ومثل ذلك : من يدعوني فأستجيب له ، ومتى تسير فأرافقك ، وكيف تكون فأصحبك ، فالاستفهام إنما وقع عن ذات الدّاعي ، وعن ظرف الزّمان ، وعن الحال لا عن الفعل.
وقد حكى ابن كيسان عن العرب : «أين ذهب زيد فنتبعه ، ومن أبوك فنكرمه».
فصل في المقصود بالقرض (٢)
ندب الله تعالى إلى الإنفاق في سبيل الله ، والعرب تقول لكل من فعل فعلا حسنا : «قد أقرض».
كما قال بعضهم رحمة الله عليه : [الرمل]
٤٧١٩ ـ وإذا جوزيت قرضا فاجزه |
|
إنّما يجزي الفتى ليس الجمل (٣) |
وسماه قرضا ؛ لأن القرض أخرج لاسترداد البدل ، أي : من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبدله الله بالأضعاف الكثيرة.
قال الكلبي : «قرضا» أي : صدقة.
«حسنا» أي : محتسبا من قلبه لا منّ ولا أدى (٤).
(فَيُضاعِفَهُ لَهُ :) ما بين سبع إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف.
وقيل القرض الحسن هو أن يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر.
وقال زيد بن أسلم : هو النّفقة على الأهل.
وقال الحسن : التطوّع بالعبادات (٥).
وقيل : عمل الخير.
وقال القشيري : لا يكون حسنا حتى يجمع أوصافا عشرة :
الأول : أن يكون من الحلال ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول» (٦).
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٧٥.
(٢) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٥٧.
(٣) قائل البيت هو لبيد بن ربيعة ، ويروى «أقرضت» مكان «جوزيت». ينظر ديوانه ص ١٧٩ ، والأزهية ص ١٨٢ ، ١٩٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٩٦ ، ٢٩٧ ، ٣٠٠ ، ١١ / ١٩٠ ، ١٩١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٠ ، وشرح التصريح ٢ / ١٣٥ ، والكتاب ٢ / ٣٢٣ ، ومجالس ثعلب ص ١٦٩ ، ٥١٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٨٧٦ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٥٤ ، والمقتضب ٤ / ٤١٠ ، ومعاني القرآن وإعرابه ٥ / ١٢٣ ، والقرطبي ١٧ / ١٥٧.
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٥٧) عن الكلبي.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) أخرجه مسلم ١ / ٢٠٤ ، كتاب الطهارة ، باب : وجوب الطهارة للصلاة (١ / ٢٢٤) ، والترمذي ١ / ٥ ـ