قوله : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) العامة على (أَلْقَى) مبنيا للفاعل ، وطلحة والسّلميّ والسّدّيّ وأبو البرهسم (١) : (أَلْقَى) مبنيا للمفعول (السَّمْعَ) رفع به (٢). وذكرت هذه القراءة لعاصم عن السّدّيّ فمقته وقال : أليس يقول : يلقون السّمع (٣) وإلقاء السمع كناية عن الاستماع ، لأن الذي لا يسمع كأنه حفظ سمعه فأمسكه (٤) والمعنى استمع القرآن واستمع ما يقال له ، لا يحدث نفسه بغيره ، تقول العرب : ألق إليّ سمعك ، أي استمع (٥) ، أو يكون معناه: لمن كان له قلب فقصد الاستماع ، أو ألقى السمع بأن أرسله وإن لم يقصد السماع (٦).
(وَهُوَ شَهِيدٌ) حاضر الذّهن.
ويحتمل أن يقال : الإشارة بذلك إلى القرآن في أول السورة أي في القرآن الذي سبق ذكره ذكرى لمن كان له قلب ، أو لمن استمع ويكون معنى (وَهُوَ شَهِيدٌ) أي المنذر الذي تعجّبتم منه وهو شهيد عليكم كقوله : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً)(٧) [الأحزاب : ٤٥].
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(٤٢)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أعاد الدليل مرة أخرى وقد مرّ تفسيره في الم السجدة ، فقيل : إن هذا ردّ على اليهود في قولهم : إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ استراح يوم السّبت. والظاهر أنها ردّ على المشركين ، أي لم يعي عن الخلق الأول فكيف يعجز عن الإعادة؟
قال ابن الخطيب : وأشار بقوله : في ستّة أيام إلى ستة أطوار لأنّ المراد من الأيام لا يمكن أن يكون هو المفهوم من وضع اللغة ، لأن اليوم في اللغة عبارة عن زمان مكث الشّمس فوق الأرض من الطّلوع إلى الغروب. وقيل : خلق السموات لم يكن شمس ولا قمر لكن اليوم يطلق ويراد به الوقت ، يقال : يوم يولد للملك ابن يكون سرور عظيم ويوم يموت فلان يكون حزن شديد ، وإن اتفقت الولادة أو الموت لئلا لا يتعين ذلك. وقد يدخل في مراد القائل ، لأنه أراد باليوم مجرّد الوقت (٨).
__________________
(١) سبق التعريف بكل هذه الأعلام.
(٢) على النائب عن الفاعل. وقد ذكر هذه القراءة أبو حيان في البحر ٨ / ١٢٩ وأبو الفتح في المحتسب ٢ / ٢٨٥ وابن خالويه في المختصر ١٤٤ ، والزمخشري في الكشاف ٤ / ١١.
(٣) البحر المحيط ٨ / ١٢٩.
(٤) قاله الرازي ٢٨ / ١٨٢.
(٥) قاله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٢٣٩.
(٦) الرازي المرجع السابق.
(٧) انظر المرجع السابق.
(٨) الرازي ٢٨ / ١٨٤ في التفسير الكبير.