وهلّك لمن قال : لا آله إلّا الله ، وسبّح لمن قال : سبحان الله ، وذلك أن هذه أمور تتكرّر من الإنسان في الكلام ، [فدعت](١) الحاجة إلى استعمال لفظة واحدة مفيدة للكلام وقالوا : هلل بخلاف قولهم : زيد في السّوق ، فإنّ من قال : زيد في السوق وأراد أن يخبر عنه بذلك لا يجد لفظا واحدا مفيدا لذلك لعدم تكرره.
ومناسبة هذا الوجه : هو (٢) أن تكذيبهم وإنكارهم يقتضي مقابلتهم باللّعن ، فقيل له : اصبر عليهم ، واجعل بدل الدعاء عليهم التسبيح لله ، والحمد لله ، (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) أو كنوح ـ عليهما الصلاة والسلام ـ حيث قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح : ٢٦]
فصل
وقد استعمل التسبيح مع الباء ومع اللام وبدونهما. فإن قلنا : المراد بالتسبيح الصلاة فيحتمل أن يكون المراد بحمد ربك : الأمر بقراءة الفاتحة ، كقولك : صلّى فلان بسورة كذا. وهذا بعيد.
وإن قلنا المراد : قل سبحان الله ، فالباء للمصاحبة. وكذلك إن قلنا : معناه التّنزيه أي نزّهه واحمده حيث وفّقك لتسبيحه فيكون المفعول محذوفا ، للعلم به ، أي نزه الله بحمد ربك ، أي ملتبسا أو مقترنا بحمد ربك (٣).
وأما اللام فإمّا أن يكون من باب شكر ونصح (٤) ، وإما أن يكون معناها خالصا لله (٥).
وأما تعدّيه بنفسه فهو الأصل. وأعاد الأمر للتسبيح ، إما تأكيدا وإما أن يكون الأول بمعنى الصلاة ، والثاني بمعنى التّسبيح والذكر. ودخلت الفاء ؛ لأن المعنى : وأمّا من الليل فسبحه (٦).
ولما ذكر أوقات الصلوات ذكر أدبار السّجود ؛ ليعمّ الأوقات فيكون كقوله : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) [الشرح : ٧] و «من» إما لابتداء الغاية ، أو (٧) من أوّل الليل ، وإمّا للتبعيض (٨).
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من (أ) الأصل.
(٢) في (ب) على.
(٣) قال بهذا كله الإمام الفخر في التفسير الكبير ٢٨ / ١٨٥ بالمعنى منه.
(٤) يقال شكرته ونصحته ، وشكرت له ونصحت له.
(٥) فيكون لبيان الأظهر ، أي يسبحون الله وقلوبهم لوجه الله خالصة. وانظر الرازي المرجع السابق.
(٦) فيكون متضمنا الشرط ، فهو كقوله : «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ».
(٧) في (ب) أي وهو الصحيح.
(٨) وانظر الرازي بالمعنى المرجع السابق ٢٨ / ١٨٥.