فصل في أن ما كان وما يكون مكتوب في اللوح المحفوظ
قال ابن الخطيب (١) : هذه الآية تدلّ على أن جميع الحوادث الأرضية قبل دخولها في الوجود مكتوبة في اللّوح المحفوظ.
قال المتكلمون : وإنما كتب ذلك لوجوه :
أحدها : ليستدلّ الملائكة بذلك المكتوب على كونه ـ تعالى ـ على علم بجميع الأشياء قبل وقوعها.
وثانيها : ليعرفوا حكمة الله ، فإنه ـ تعالى ـ مع علمه بأنهم يقدمون على المعاصي خلقهم ورزقهم.
وثالثها : ليحذروا من أمثال تلك المعاصي.
ورابعها : ليشكروا الله ـ تعالى ـ على توفيقه إياهم للطّاعات ، وعصمته إياهم عن المعاصي.
فصل في كيفية حدوث الأحداث
قال ابن الخطيب (٢) : إن الحكماء قالوا : إن الملائكة الذين وصفهم الله بأنهم هم المدبّرات أمرا ، والمقسمات أمرا ، إنما هي المبادىء لحدوث الحوادث في العالم السفلي بواسطة الحركات الفلكية ، والاتصالات الكوكبية ، وتغيراتها هي الأسباب لتلك المسببات ، وهذا هو المراد من قوله: (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ)
فصل في مصائب الأنفس (٣)
قوله تعالى : (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) يتناول جميع مصائب الأنفس ، فيدخل فيها كفرهم ومعاصيهم ، فالآية دالة على أن جميع أعمالهم بتفاصيلها مكتوبة في اللوح المحفوظ مثبتة في علم الله تعالى ، فكان الامتناع من تلك الأعمال محال ؛ لأن علم الله بوجودها مناف لعدمها والجمع بين المتنافيين محال ، وخصص مصائب الأرض والأنفس لتعلّقها بنا ، ولم يقل : جميع الحوادث لشمولها حركات أهل الجنة والنار ؛ لأنها غير متناهية ، فإثباتها في الكتاب محال.
قال ابن الخطيب (٤) : وفي الآية دليل على أن الله ـ تعالى ـ يعلم الأشياء قبل وقوعها خلافا ل «هشام بن الحكم».
__________________
(١) ينظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٩ / ٢٠٦.
(٢) السابق نفسه.
(٣) السابق ٢٩ / ٢٠٧.
(٤) التفسير الكبير ٢٩ / ٢٠٧.