وقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أي : متكبر بما أوتي من الدنيا.
«فخور» به على النّاس ، قيل : الفخور الذي ينظر الناس بعين الاحتقار.
فصل فيمن قالوا بالإرادة والجبر
قال ابن الخطيب (١) : المعتزلة وإن نازعوا في القدرة والإرادة ، فهم مسلمون في العلم والجبر ، فيلزمهم الجبر باعتبارهما.
والفلاسفة مذهبهم الجبر ؛ لأن سبب الحوادث عندهم الاتصالات الفلكية.
والقدرية قالوا : بأن الحوادث اتفاقية ، فجميع فرق العقلاء يلزمهم الجبر ، سواء أقروا به أو أنكروه.
فصل في إرادة العبد الحزن والفرح
قالت المعتزلة (٢) : قوله : (لِكَيْلا تَأْسَوْا) يدل على أنه إنما أخبرهم بكتبها ليحترزوا عن الحزن والفرح ، ولو لا قدرتهم عليه لم يكن لذلك فائدة ، ويدل على أنه لا يريد أن يقع منهم الفرح والحزن ، وهو خلاف قول المجبرة ؛ لأنه قال : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ (٣) فَخُورٍ) والمحبة هي الإرادة.
وأجيبوا بأن المحبة هي إرادة خاصة وهي إرادة الثواب ، ولا يلزم من نفيها نفي الإرادة.
قوله : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ). تقدم نظيره في سورة «النساء».
قال القرطبي (٣) : «الذين» في موضع خفض نعتا للمختال.
وقال ابن الخطيب (٤) : بدل من قوله : (كُلَّ مُخْتالٍ).
وقيل : رفع بالابتداء ، فهو كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله.
والمعنى : الذين يبخلون فالله غني عنهم.
قيل : أراد رؤساء اليهود الذين بخلوا ببيان صفة محمد صلىاللهعليهوسلم في كتبهم لئلا يؤمن به النّاس ، فتذهب مأكلتهم.
قاله السّدي والكلبي.
فيكون «الذين» مبتدأ ، وخبره محذوف يدلّ عليه قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
__________________
(١) ينظر : التفسير الكبير للرازي ٢٩ / ٢٠٨.
(٢) ينظر : السابق.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٦٨.
(٤) التفسير الكبير ٢٩ / ٢٠٩.