قوله تعالى : (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(٢٩)
قوله : (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ) ، أي : أتبعنا على آثارهم ، أي : على آثار الذّرية (١).
وقيل : على آثار نوح وإبراهيم برسلنا موسى وإلياس وداود ويونس ، وغيرهم ، (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) ، فهو من ذرية إبراهيم من جهة أمّه.
(وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) : وهو الكتاب المنزل عليه وقد تقدم اشتقاقه في أول آل عمران.
وقراءة الحسن (٢) : بفتح الهمزة.
قال الزمخشري (٣) : أمره أهون من أمر البرطيل والسّكينة فيمن رواها بفتح «الفاء» ؛ لأن الكلمة أعجمية لا يلزم فيها حفظ أبنية العرب.
وقال ابن جنّي (٤) : قراءة الحسن ـ بفتح الهمزة ـ مثال مبالغة ، لا نظير له ؛ لأنه «أفعيل» وهو عندهم من نجلت الشيء إذا استخرجته لأنه يستخرج به الأحكام.
وقال ابن الخطيب : وغالب الظن أنه ما قرأه إلا عن سماع ؛ وله وجهان :
أحدهما : أنه شاذ ، كما حكي عن بعضهم في البرطيل.
والثاني : أنه ظن الإنجيل أعجميّا ، فحرف مثاله ؛ تنبيها على كونه أعجميا.
قوله : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) على دينه يعني : الحواريين وأتباعهم (٥)(رَأْفَةً وَرَحْمَةً).
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٧٠.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٤٨١ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٢٧٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٢٦ ، والدر المصون ٦ / ٢٨١.
(٣) الكشاف ٤ / ٤٨١.
(٤) ينظر : المحتسب ٢ / ٣١٣ ، والفخر الرازي ٢٩ / ٢١٣.
(٥) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٧٠.