قال الزمخشري (١) : كأنها نسبة إلى «الرّهبان» ، وهو جمع : راهب ، ك «راكب ، وركبان».
قال أبو حيان (٢) : والأولى أن يكون منسوبا إلى «رهبان» ـ يعني بالفتح ـ وغيّر ؛ لأنّ النّسب باب تغيير ، ولو كان منسوبا ل «رهبان» الجمع لردّ إلى مفرده إلّا إن قد صار كالعلم ، فإنه ينسب إليه ك «الأنصار».
فصل في المراد بالرهبانية (٣)
والمراد من الرهبانية : ترهّبهم في الجبال فارّين من الفتنة في الدين متحملين كلفا زائدة على العبادات التي كانت واجبة عليهم من الخلوة ، واللّباس الخشن ، والاعتزال عن النساء ، والتعبّد في الغيران والكهوف.
روى ابن عباس أن في أيام الفترة بين عيسى ومحمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ غيّر الملوك التوراة والإنجيل ، فراح نفر ، وبقي نفر قليل ، فترهبوا وتبتلوا (٤).
قال الضحاك : إن ملوكا بعد عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ارتكبوا المحارم ثلاثمائة سنة ، فأنكرها عليهم من كان بقي على منهاج عيسى فقتلوهم ، فقال قوم بقوا بعدهم : نحن إذا نهيناهم قتلونا ، فليس يسعنا المقام بينهم ، فاعتزلوا الناس واتخذوا الصّوامع (٥).
وقال قتادة : الرهبانية التي ابتدعوها رفض النساء ، واتخاذ الصّوامع (٦).
وفي خبر مرفوع : هي لحوقهم بالبراري والجبال.
قوله تعالى : (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ).
صفة ل «رهبانية» ، ويجوز أن يكون استئناف إخبار بذلك (٧).
قال ابن زيد : معناه ما فرضناها عليهم ، ولا أمرناهم بها (٨).
__________________
(١) الكشاف ٤ / ٤٨١.
(٢) البحر المحيط ٨ / ٢٢٧.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢١٤.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٩٠) عن ابن عباس بمعناه وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٥٩) وزاد نسبته إلى النسائي والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» وابن المنذر وابن مردويه.
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٧٠) عن الضحاك.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٩٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٦٠) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٧) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٨٢.
(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٩٠) عن ابن زيد.