يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» (١).
قوله تعالى : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ) هو استماع على بابه. وقيل : بمعنى الانتظار. وهو بعيد. فعلى الأول يجوز أن يكون المفعول محذوفا ، أي استمع نداء المنادي ، أو نداء الكافر بالويل والثبور ، فعلى هذا يكون «يوم ينادي» ظرفا ل (اسْتَمِعْ) أي استمع ذلك في يوم. وقيل : استمع ما أقول لك فعلى هذا يكون «يوم ينادي» مفعولا به أي انتظر ذلك اليوم(٢).
ووقف ابن كثير على (يُنادِي) بالياء. والباقون دون ياء. ووجه إثباتها أنه لا مقتضي لحذفها. ووجه حذفها وقفا اتباع الرسم وكأن الوقف محلّ تخفيف (٣).
وأما «المنادي» فأثبت ابن كثير أيضا ياءه وصلا ووقفا. ونافع وأبو عمرو بإثباتها وصلا وحذفها وقفا ، وباقي السبعة بحذفهما وصلا ووقفا. فمن أثبت ، فلأنه الأصل ، ومن حذف فلاتباع الرسم. ومن خص الوقف بالحذف فلأنه محلّ راحة ومحلّ تغيير (٤).
فصل
في (وَاسْتَمِعْ) وجوه :
الأول : أن يكون مفعوله محذوفا رأسا ، والمقصود : كن مستمعا ولا تكن مثل هؤلاء المعرضين الغافلين ، يقال : هو رجل سميع مطيع ، ولا يراد : مسموع بعينه.
الثاني : استمع ما يوحى إليك.
الثالث : استمع نداء المنادي.
فإن قيل : (اسْتَمِعْ) عطف على (فَاصْبِرْ) و (سَبِّحْ) وهو في الدنيا ، فالاستماع (٥) يكون في الدنيا وما يوحى (يكون) (٦) «يوم ينادي» لا يسمع في الدنيا.
فالجواب : أنه لا يلزم ذلك ، لجواز أن يقال : صلّ وادخل الجنّة أي صل في الدنيا وادخل الجنة في العقبى فكذا ههنا.
ويحتمل أن يكون استمع بمعنى انتظر. ويحتمل أن يكون المراد : تأهّب لهذه الصيحة لئلا يفجأك فيزعجك. والمراد بالمنادي : إما الله تعالى بقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الصافات: ٢٢] وبقوله : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) أو بقوله : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) [النحل : ٢٧] ويحتمل أن يكون المراد بالمنادي : إسرافيل قال مقاتل : ينادي إسرافيل بالحشر يا أيتها العظام البالية ، والأوصال المتقطعة ، واللحوم المتمزقة ، والشّعور المتفرقة ، إن الله يأمركم
__________________
(١) خرجه البغوي في معامل التنزيل عن أبي هريرة. وانظر هذه الأقوال في البغوي والخازن ٦ / ٢٤٠ والقرطبي ١٧ / ٢٥ و ٢٦.
(٢) قال بذلك معنى الرازي في تفسيره الكبير ٢٨ / ١٨٧ وأبو حيان في البحر المحيط ٨ / ١٣٠.
(٣) السبعة ٦٠٧ والإتحاف ٣٩٩ والبحر ٨ / ١٣٠.
(٤) المراجع السابقة وانظر الكشف أيضا ٢ / ٣٨٦.
(٥) في (ب) كالاستماع.
(٦) سقط من (ب).