وقيل : هو خبر ثان عن الفضل.
وقيل : هو الخبر وحده ، والجار قبله حال ، وهي حال لازمة ؛ لأن كونه بيد الله لا ينتقل ألبتة (١).
فصل في اتصال الآية بما قبلها
نقل ابن الخطيب (٢) عن الواحدي أنه قال : هذه الآية مشكلة ، وليس للمفسرين فيها قول واضح في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها.
واعلم أن أكثر المفسرين على أن «لا» ها هنا صلة زائدة ، والتقدير : ليعلم أهل الكتاب.
وقال أبو مسلم وجماعة : على أن «لا» ليست زائدة ، ونحن نفسر الآية على القولين بعون الله وتوفيقه.
أما على القول بزيادتها ، فاعلم أنه لا بدّ ها هنا من تقديم مقدمة ، وهي أن أهل الكتاب كانوا يقولون : إن الوحي والرسالة فينا ، والكتاب والشرع ليس إلّا لنا ، وإنّ الله خصّنا بهذه الفضيلة العظيمة من بين العالمين.
إذا عرفت هذا ، فنقول : إن الله ـ تعالى ـ لما أمر أهل الكتاب بالإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم ووعدهم الأجر العظيم في ذلك الإيمان أتبعه بهذه الآية ، والغرض منها أن يزيل عن قلبهم اعتقادهم بأن النبوة مختصة بهم ، فقال : إنما بالغنا في هذا البيان ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله لقوم معينين ، ولا يمكنهم حصر الرسالة والنبوة في قوم مخصوصين ، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، ولا اعتراض عليه في ذلك أصلا.
وأما القول بأن «لا» غير زائدة ، فاعلم أن الضمير في قوله : «لا يقدرون» عائد إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وإلى أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ والتقدير : لئلا يعلم أهل الكتاب أن النبي والمؤمنين لا يقدرون على شيء من فضل الله ، فإنهم إذا لم يعلموا أنهم لا يقدرون عليه ، فقد علموا أنّهم يقدرون عليه ثم قال : (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) فيصير التقدير : إنا جعلنا كذا وكذا لئلا يعتقد أهل الكتاب أنهم يقدرون على حصر فضل الله في قوم معينين ، وليعتقدوا أن الفضل بيد الله.
واعلم أنّ هذا القول ليس فيه إلّا أنا أضمرنا فيه زيادة ، فقلنا في قوله : (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) تقديره : وليعتقدوا أنّ الفضل بيد الله وأما القول الأول فقد افتقرنا فيه إلى حذف شيء موجود ، ومن المعلوم أنّ الإضمار أولى من الحذف ؛ لأن الكلام إذا افتقر إلى الإضمار لم يوهم ظاهره باطلا أصلا.
__________________
(١) الدر المصون ٦ / ٢٨٣.
(٢) التفسير الكبير ٢٩ / ٢١٥ ، ٢١٦.