وقالت عائشة : تبارك الذي وسع سمعه كلّ شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهي تقول : يا رسول الله أكل شبابي ، ونثرت له بطني حتّى إذا كبرت سنّي ، وانقطع ولدي ظاهر منّي ، اللهم إني أشكو إليك فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) الآية (١).
روي أنها كانت حسنة الجسم ، فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها ، فأعجبه أمرها ، فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها ، قال عروة : وكان امرأ به لمم فأصابه بعض لممه ، فقال لها : أنت عليّ كظهر أمّي وكان الإيلاء والظّهار من الطلاق في الجاهلية ، فسألت النبي صلىاللهعليهوسلم فقال لها : «حرمت عليه» ، فقالت : والله ما ذكر طلاقا ، وإنه أبو ولدي وأحبّ الناس إليّ ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «حرمت عليه» ، فقالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ، فقد طالت له صحبتي ونفضت له بطني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما أراك إلّا قد حرمت عليه ولم أومر في شأنك بشيء» ، فجعلت تراجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإذا قال لها رسول الله : «حرمت عليه» هتفت وقالت : أشكو إلى الله فاقتي وشدة حالي ، وإن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليّ جاعوا ، وإن ضممتهم إليه ضاعوا ، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهم إني أشكو إليك فأنزل على لسان نبيك ، وكان هذا أول ظهار في الإسلام فأنزل الله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) الآية. فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى زوجها ، وقال : «ما حملك على ما صنعت»؟ فقال : الشيطان ، فهل من رخصة؟ فقال : «نعم» ، وقرأ عليه الأربع آيات ، فقال : «هل تستطيع الصّوم»؟ فقال : لا والله ، فقال : «هل تستطيع العتق»؟ فقال : لا والله ، إني إن أخطأ في أن آكل في اليوم مرة أو مرتين لكلّ بصري وظننت أني أموت ، قال : «فأطعم ستّين مسكينا» ، فقال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة ، فأعانه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بخمسة عشر صاعا ، وأخرج أوس من عنده مثله ، فتصدق به على ستين مسكينا.
فصل في اللمم الذي كان بأوس بن الصامت (٢)
قال أبو سليمان الخطّابي (٣) : ليس المراد من قوله في هذا الخبر : وكان بن لمم الخبل والجنون ، إذ لو كان به ثمّ ظاهر في تلك الحال لم يكن يلزمه شيء ، بل معنى
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٧) ، وأحمد (٦ / ٤٦) ، وابن ماجه (١ / ٦٦٦) ، رقم (٢٠٦٣) ، والحاكم (٢ / ٤٨١) ، والبيهقي (٧ / ٣٨٢) ، عن عائشة.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد روي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مختصرا ووافقه الذهبي.
وأخرجه البخاري (١٣ / ٣٨٤) ، تعليقا مختصرا عن عائشة.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢١٧.
(٣) ينظر : معالم السنن ٣ / ٢٥٤.