فما معنى أنه جعله منكرا من القول وزورا. والزّور : الكذب ، وهذا ليس بكذب؟.
فالجواب (١) : أنّ قوله إن كان خبرا فهو كذب ، وإن كان إنشاء فكذلك ؛ لأنه جعله سببا للتّحريم ، والشّرع لم يجعله سببا لذلك.
وأيضا فإنما وصف بذلك ، لأن الأم مؤبدة التحريم ، والزّوجة لا يتأبّد تحريمها بالظّهار ، وهذا ضعيف ؛ لأنّ المشبه لا يلزم أن يساوي المشبه به من كلّ وجه.
فإن قيل : قوله : (إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) يقتضي أن لا أم إلا الوالدة ، وهذا مشكل لقوله تعالى : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) [النساء : ٢٣].
وقوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦].
والحمل على حرمة النكاح لا يفيد ؛ إذ لا يلزم من عدم كون الزّوجة أمّا عدم الحرمة ، فظاهر الآية الاستدلال بعدم الأمومة على عدم الحرمة؟.
فالجواب (٢) : أنا نقول : هذه الزّوجة ليست بأم حتى تحصل الحرمة بسبب الأمومة ، ولم يرد الشرع بجعل هذه اللفظة سببا للحرمة ، فإذن لا تحصل الحرمة هناك ألبتّة فكان وصفهم لها بالحرمة كذبا وزورا.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٥) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(٦)
قوله : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ) مبتدأ.
وقوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) مبتدأ ثان وخبره مقدم ، أي : فعليهم ، أو فاعل بفعل مقدر ، أي : فيلزمهم تحرير ، أو خبر مبتدأ مضمر ، أي : فالواجب عليهم تحرير (٣).
فصل
ويلزم الظهار قبل النكاح إذا نكح التي ظاهر منها عند مالك ، ولا يلزم عند غيره (٤) لقوله تعالى : (مِنْ نِسائِهِمْ).
__________________
(١) ينظر : السابق.
(٢) السابق.
(٣) الدر المصون ٦ / ٢٨٥.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٧٩.