الرابع : أنه منصوب ب «أحصاه» ، قاله أبو البقاء (١) ، وفيه قلق ؛ لأن الضمير في «أحصاه» يعود على «ما عملوا». قوله : «جميعا» أي : الرجال والنساء ، أي : كلهم لا يترك منهم واحدا.
وقيل : مجتمعين في حال واحدة (فَيُنَبِّئُهُمْ) أي : يخبرهم بما عملوا في الدنيا تخجيلا لهم وتوبيخا (٢).
(أَحْصاهُ اللهُ) عليهم في صحائف أعمالهم «ونسوه» حتى ذكرهم به في صحائفهم ليكون أبلغ في الحجة عليهم (٣).
(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي شاهد مطلع وناظر لا يخفى عليه شيء.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)(٩)
ثم إنه ـ تعالى ـ أكد بيان كونه عالما بكل المعلومات ، فقال جل ذكره : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فلا يخفى عليه سرّ ولا علانية.
قوله تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى).
«يكون» تامة ، و «من نجوى» فاعلها ، و «من» مزيدة فيه ، و «نجوى» في الأصل مصدر ، فيجوز أن يكون باقيا على أصله ، ويكون مضافا لفاعله ، أي : ما يوجد من تناجي ثلاثة ، ويجوز أن يكون على حذف ، أي : من ذي نجوى ، ويجوز أن يكون أطلق على الأشخاص المتناجين مبالغة.
فعلى هذين الوجهين ينخفض «ثلاثة» على أحد وجهين (٤) :
إما البدل من «ذوي» المحذوفة ، وإما الوصف لها على التقدير الثاني ، وإما البدل ، أو الصفة ل «نجوى» على التقدير الثالث.
__________________
(١) ينظر التبيان ص ١٢١٢.
(٢) ينظر : الرازي ٢٩ / ٢٢٩.
(٣) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٨٧.
(٤) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٨٧.