وقال النبي صلىاللهعليهوسلم عند ذلك : «إذا سلّم عليكم أهل الكتاب ، فقولوا : عليك ما قلت» ، فأنزل الله تعالى : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ)(١).
وروى أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم» (٢) بالواو.
فقال بعض العلماء رضي الله عنهم : إن الواو العاطفة تقتضي التشريك ، فيلزم منه أن يدخل معهم فيما دعوا به علينا من الموت ، أو من سآمة ديننا وهو الهلاك ، يقال : سئم يسأم سآمة وسآما.
وقال بعضهم «الواو» زائدة كما زيدت في قول الشاعر : [الطويل]
٤٧٣٢ ـ فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى |
|
.......... (٣) |
أي : لما أجزنا انتحى ، فزاد «الواو».
وقال آخرون : هي للاستئناف ، كأنه قال : والسام عليكم ، وقال آخرون : هي على بابها من العطف ولا يضرنا ذلك ؛ لأنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا كما تقدم في قوله صلىاللهعليهوسلم ل «عائشة» رضي الله عنها.
فصل في رد السّلام على أهل الذمة
اختلفوا في ردّ السّلام على أهل الذّمة (٤) ، فقال ابن عباس والشعبي وقتادة : هو واجب لظاهر الأمر بذلك.
وقال مالك رضي الله عنه : ليس بواجب ، فإن رددت فقل : عليك.
وقال بعضهم : نقول في الرد : علاك السّلام ، أي : ارتفع عنك.
وقال بعض المالكية : تقول في الرد : السلام عليك ـ بكسر السين ـ يعني الحجارة.
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا).
هذه الجملة التحضيضية في موضع نصب بالقول (٥) ، ومعنى الآية : أن اليهود ـ لعنهم الله ـ لما كانوا يقولون : السام عليك ، ويوهمون أنهم يسلمون ، وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يرد عليهم بقوله : «عليكم» فإذا خرجوا قالوا : (لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ) أي : هلا يعذبنا بما نقول ، أي : لو كان نبيّا لعذبنا الله بما نقول.
__________________
ـ ومسلم ٤ / ١٧٠٦ ، في كتاب السلام ، باب : النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام (١٠ / ٢١٦٥).
(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٨ / ٤٤٢) ، والترمذي (٥ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠) ، رقم (٣٣٠١) ، وابن ماجه (٢ / ١٢١٩) ، رقم (٣٦٩٧) ، من حديث أنس وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
(٢) ينظر الحديث السابق.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٩٠.
(٥) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٨٨.