قال القرطبي (١) : «وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال».
وذهب إليه ابن عمر ومالك والجمهور وسواء كان التناجي في مندوب ، أو مباح ، أو واجب فإن الحزن يقع به.
وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك في أول الإسلام ؛ لأن ذلك كان حال المنافقين ، فيتناجى المنافقون دون المؤمنين ، فلما فشا الإسلام سقط ذلك.
وقال بعضهم : ذلك خاصّ بالسفر ، وفي المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه ، فأما في الحضر وبين العمارة فلا ؛ لأنه يجد من يعينه ، بخلاف السفر فإنه مظنّة الاغتيال وعدم الغوث. والله أعلم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) الآية.
وجه التعلق : لما نهى المؤمنين عما يكون سببا للتباغض والتنافر ، أمرهم الآن بما يصير سببا لزيادة المحبّة والمودة.
وقال القرطبي (٢) : لما بين أنّ اليهود يحيوه بما لم يحيّه الله ، وذمّهم على ذلك وصل به الأمر بتحسين الأدب في مجالسة رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى لا يضيقوا عليه المجلس ، وأمر المسلمين بالتّعاطف والتّآلف حتى يفسح بعضهم لبعض حتى يتمكّنوا من الاستماع من رسول الله صلىاللهعليهوسلم والنظر إليه.
فصل في نزول الآية
قال قتادة ومجاهد والضحاك رضي الله عنهم : كانوا يتنافسون في مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض (٣).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد بذلك مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب (٤).
وقال الحسن ويزيد بن أبي حبيب : كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا قاتل المشركين تشاح أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ على الصف الأول فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في القتال والشهادة ، فنزلت (٥) ، فيكون كقوله تعالى : (مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) [آل عمران : ١٢١].
وقال مقاتل : كان النبي صلىاللهعليهوسلم في «الصفة» وكان في المكان ضيق ، وكان يكرم أهل
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٩٢.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٩٢.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ١٨) ، عن مجاهد وقتادة والضحاك وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٧١) ، عن قتادة وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ١٨).
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٩٢).