آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) سألت النبي صلىاللهعليهوسلم فقال النبيصلىاللهعليهوسلم : «ما ترى دينارا؟» قلت : لا يطيقونه ، قال : «نصف دينار» ، قلت : لا يطيقونه ، قال : «فكم»؟ قلت : شعيرة ، قال : «إنّك لزهيد» فنزلت (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا) الآية(١).
ومعنى قوله : «شعيرة» من ذهب ، ومعنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّك لزهيد» أي : لقليل المال فقدّرت على حسب حالك.
قال ابن العربي (٢) : «وهذا يدلّ على نسخ العبادة قبل فعلها ، وعلى النّظر في المقدّرات بالقياس».
قال القرطبي (٣) : «والظّاهر أنّ النسخ إنما وقع بعد فعل الصّدقة كما تقدم».
فصل فيمن استدل بالآية على عدم وقوع النسخ (٤)
أنكر أبو مسلم وقوع النسخ ، وقال : إنّ المنافقين كانوا يمتنعون عن بذل الصدقات ، وإن قوما من المنافقين تركوا النفاق وآمنوا ظاهرا وباطنا إيمانا حقيقيّا ، فأراد الله أن يميزهم عن المنافقين ، فأمر بتقديم الصّدقة على النّجوى ليتميز هؤلاء الذين آمنوا على من بقي على نفاقه الأصلي ، فلما كان هذا التكليف لأجل هذه المصلحة المقدرة لذلك الوقت ، لا جرم يقدر هذا التكليف بذلك الوقت.
قال ابن الخطيب (٥) : وحاصل قول أبي مسلم : أن ذلك التكليف مقدر بغاية مخصوصة ، ووجب انتهاؤه عند الانتهاء إلى تلك الغاية المخصوصة ، ولا يكون هذا نسخا ، وهذا كلام حسن ، والمشهور عند الجمهور أنه منسوخ بقوله : (أَأَشْفَقْتُمْ).
وقيل : منسوخ بوجوب الزكاة.
قوله تعالى : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ).
هذا استفهام معناه التقرير (٦).
قال ابن عباس رضي الله عنهما : (أَأَشْفَقْتُمْ) أي : أبخلتم بالصدقة (٧).
وقيل : خفتم.
و «الاشفاق» : الخوف من المكروه ، أي : خفتم بالصدقة ، وشقّ عليكم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٣٧٩) ، رقم (٣٣٠٠) ، عن علي.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.
(٢) ينظر : أحكام القرآن ٤ / ١٧٦١.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٩٦.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٣٧.
(٥) ينظر السابق.
(٦) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٩٦.
(٧) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٣١١) ، والقرطبي (١٧ / ١٩٦).