قوله تعالى : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا). في «إذ» هذه ثلاثة أقوال (١) :
أحدها : أنها على بابها من المعنى : أنكم تركتم ذلك فيما مضى ، فتداركوه بإقامة الصّلاة. قاله أبو البقاء (٢).
الثاني : أنها بمعنى «إذا» كقوله تعالى : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) [غافر : ٧١] وتقدم الكلام فيه (٣).
الثالث : أنها بمعنى «إن» الشرطية ، وهو قريب مما قبله ؛ إلا أن الفرق بين «إن» ، و «إذا» معروف.
فصل في معنى الآية
المعنى : فإن لم تفعلوا ما أمرتم به ، (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) أي : ونسخ الله ذلك الحكم ، ورخص بكم في ألّا تفرطوا في الصّلاة والزكاة ، وسائر الطاعات ، وهذا خطاب لمن وجد ما يتصدق به ، وهذا يدل على جواز النسخ قبل الفعل.
قال القرطبي (٤) : وما روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ ضعيف ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال: (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) وهذا يدلّ على أن أحدا لم يتصدق بشيء.
فصل في أنّ الآية لا تدل على تقصير المؤمنين
فإن قيل : ظاهر الآية يدل على تقصير المؤمنين في ذلك التكليف ، وبيانه من وجوه :
الأول : قوله تعالى : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا) يدل على تقصيرهم.
الثاني : قوله تعالى : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا).
الثالث : قوله عزوجل : (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ).
فالجواب : قال ابن الخطيب (٥) : ليس الأمر كما قلتم ؛ لأن القوم لم يكلفوا بأن يقدموا على الصّدقة ، ويشتغلوا بالمناجاة ، بل أمروا أنهم لو أرادوا المناجاة ، فلا بد من تقديم الصّدقة فمن ترك المناجاة ، فلا يمكن أن يكون مقصرا ، فأما لو قيل بأنهم ناجوا من غير تقديم الصدقة ، فهذا أيضا غير جائز ؛ لأن المناجاة لا تمكن إلا إذا مكن الرسول صلىاللهعليهوسلم من المناجاة فإذا لم يمكنهم من ذلك لم يقدروا على المناجاة ، فعلمنا أن الآية لا تدل على صدور التقصير منهم.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٨٩.
(٢) ينظر التبيان ص ١٢١٣.
(٣) تفسير سورة غافر. آية (٧١).
(٤) ينظر الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٩٦.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٣٧.