وعن عبد العزيز بن أبي رواد : أنه لقي المنصور في الطّواف فلما عرفه هرب منه ، وتلا هذه الآية.
وعن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه كان يقول : اللهمّ لا تجعل لفاجر عندي نعمة ، فإنّي وجدت فيما أوحيت إليّ : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية (١).
قوله : (أُولئِكَ كَتَبَ).
قرأ العامّة : «كتب» مبنيّا للفاعل ، وهو الله ـ سبحانه وتعالى ـ «الإيمان» نصبا ، وأبو حيوة (٢) في رواية المفضل : «كتب» مبنيّا للمفعول «الإيمان» رفع به.
والضمير في «منه» لله تعالى.
وقيل : يعود على «الإيمان» ؛ لأنه روح يحيا به المؤمنون في الدارين. قاله السدي ، أي : أيديهم بروح من الإيمان (٣) ، يدل عليه قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢].
فصل في معنى كتب الإيمان (٤)
معنى «كتب الإيمان» أي : خلق في قلوبهم التصديق ، يعني من لم يوال من حاد الله.
وقيل : «كتب» : أثبت. قاله الربيع بن أنس.
وقيل : جعل كقوله تعالى : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران : ٥٣] أي : اجعلنا ، وقوله تعالى : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [الأعراف : ١٥٦].
وقيل «كتب» أي : جمع ، ومنه الكتيبة ، أي : لم يكونوا ممن يقول : نؤمن ببعض ، ونكفر ببعض.
وقيل : (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) أي : على قلوبهم الإيمان ، كقوله تعالى : (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١].
وخص القلوب بالذكر ، لأنها موضع الإيمان.
قوله : (وَأَيَّدَهُمْ) ، أي : قوّاهم ونصرهم بروح منه.
قال الحسن : بنصر منه.
قال ابن عباس : نصرهم على عدوهم ، وسمى تلك النصرة روحا ؛ لأنه به يحيا أمرهم.
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٧٤) ، وعزاه إلى ابن مردويه عن كثير بن عطية عن رجل.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٨٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٠٧ ، والدر المصون ٦ / ٢٩١ ، والقرطبي ١٧ / ٢٠٠ ، والسبعة ٦٣٠ ، والحجة ٦ / ٢٨٢ ، وإعراب القراءات ٢ / ٣٥٦.
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٣١٣).
(٤) ينظر : القرطبي (١٧ / ١٩٩ ـ ٢٠٠).