وأما الحشر الثاني : فحشرهم قرب القيامة.
قال قتادة : تأتي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا ، وتأكل من تخلف منهم ، وهذا ثابت في الصحيح (١).
وذكروا أن تلك النّار ترى بالليل ، ولا ترى بالنهار.
قال ابن العربي (٢) : للحشر أول ووسط ، وآخر.
فالأول : إجلاء بن النّضير.
والأوسط : إجلاء خيبر.
والآخر : حشر يوم القيامة.
وعن الحسن : هم بنو قريظة (٣) ، وخالفه بقية المفسرين ، وقالوا : بنو قريظة ما حشروا ، ولكنهم قتلوا حكاه الثعلبي.
فصل في نسخ مصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم
قال إلكيا الطّبري : ومصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شيء لا يجوز الآن ، وإنما كان ذلك في دار الإسلام ثم نسخ ، والآن فلا بد من قتالهم ، أو سبيهم ، أو ضرب الجزية عليهم.
قوله تعالى : (ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) أي : لعظم أمر اليهود لعنهم الله ومنعتهم وقوتهم في صدور المسلمين واجتماع كلمتهم.
وقوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ).
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن المسلمين ظنوا أنهم لعزّتهم وقوّتهم لا يحتاجون إلى أن يخرجوا من ديارهم (٤).
قيل : المراد بالحصون : الوطيح والنّطاة والسّلالم والكتيبة (٥).
قوله : (مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ). فيه وجهان (٦) :
أحدهما : أن تكون «حصونهم» مبتدأ ، و «مانعتهم» خبر مقدم ، والجملة خبر «أنهم». لا يقال : لم لا يقال : «مانعتهم» مبتدأ ، لأنه معرفة ، و «حصونهم» خبره ، ولا حاجة إلى تقديم ولا تأخير؟ لأن القصد الإخبار عن الحصون ، ولأن الإضافة غير محضة فهي نكرة.
__________________
(١) ينظر المصدر السابق.
(٢) ينظر : أحكام القرآن لابن العربي ٤ / ١٧٦٤.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٤) ، عن قتادة.
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٩ / ٢٤٣).
(٥) ينظر : القرطبي ١٨ / ٤.
(٦) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٩٢.