وبنو النضير لم يتركوها خرابا ، وإنما خرّبوها بالهدم (١) ، ويؤيده قوله تعالى : (بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ).
فصل في تفسير الآية
قال قتادة والضحاك رحمهماالله تعالى : كان المؤمنون يخربون من خارج ليدخلوا ، واليهود يخربون من داخل ليبنوا به ما خرب من حصنهم (٢).
وقال مقاتل : إن المنافقين أرسلوا إليهم ألا يخرجوا وتدرّبوا على الأزقّة ، وكان المسلمون يخربون سائر الجوانب (٣).
وقيل : إن المسلمين كانوا إذا ظهروا على درب من دروبهم خربوه ، وكان اليهود يتأخرون إلى ما وراء بيوتهم وينقّبونها من وراء أدبارهم.
وقيل : إن المسلمين كانوا يخربون ظواهر البلد ، واليهود لما أيقنوا بالجلاء ، فكانوا ينظرون إلى الخشبة في منازلهم مما يستحسنونه ، أو الباب فيهدمون بيوتهم ، وينزعونها ، ويحملونها على الإبل.
فإن قيل : ما معنى تخريبهم لها بأيدي المؤمنين؟.
قلت : لما عرضوهم لذلك ، وكانوا السبب فيه ، فكأنهم أمروهم به وكلفوه إياهم (٤).
وقال الزهري : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ) بنقض المواعدة ، (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) بالمقاتلة.
وقال أبو عمرو بن العلاء : (بِأَيْدِيهِمْ) في تركهم لها ، (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) في إجلائهم عنها.
قوله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ).
والاعتبار : مأخوذ هنا من العبور والمجاوزة من شيء إلى شيء ، وبهذا سميت العبرة عبرة ؛ لأنها تنتقل من العين إلى الخدّ ، وسمي علم التعبير ؛ لأن صاحبه ينتقل من المتخيّل إلى المعقول ، وسميت الألفاظ عبارات ؛ لأنها تنقل المعاني عن لسان القائل إلى عقل المستمع.
ويقال : السعيد من اعتبر بغيره ؛ لأنه ينتقل عقله من حال ذلك الغير إلى حال نفسه.
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ٤ ، ٥.
(٢) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٥ / ٥٠٠) ، عن الضحاك.
(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٩ / ٢٤٤.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٤٤ ، ومعاني القرآن للزجاج ٥ / ١٤٤.