الثاني : أن العرب كانت تحترز عن الأيمان الكاذبة ، وتعتقد أنها تخرب المنازل ، فكان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (١) ـ يكثر الإقسام ، دلالة على أنه صادق ولذلك كان أمره يتزايد ويعلموا (٢) أنه لا يحلف بها كاذبا.
الثالث : أن الأيمان التي أقسم بها كلها دلائل أخرجت في صورة الأيمان لينبّه بها على كمال القدرة ، كقول القائل للمنعم : وحقّ نعمتك الكثيرة إنّي لا أزال أشكرك. فذكر النعم التي هي سبب مفيد لدوام الشكر ، وإنما أخرجها مخرج الأيمان ، إيذانا بأنه يريد أن يتكلم بكلام عظيم فيصغي إليه السامع أكثر ما يصغي إليه حيث يعلم أن الكلام ليس بمعتبر (٣) فبدأ بالحلف (٤).
فصل
أورد القسم على أمور منها الوحدانية ، ولظهور أمرها واعترافهم بها حيث يقولون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وقولهم : (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥] لم يقسم عليها إلا في سورة الصافات (٥) ومنها الرسالة وهو في سورتين «والنّجم» (٦) «والضّحى» (٧) ، وبالحروف في «يس» (٨) ومنها الحشر ، والجزاء وما يتعلق به ، فلكثرة إنكارهم له كرر القسم عليه (٩).
فصل
أقسم الله بجمع السلامة المؤنث في سور خمس (١٠) ، ولم يقسم بجمع السلامة المذكر في سورة أصلا ، فلم يقل : والصّالحين من عبادي ، ولا المقربين إلى غير ذلك مع أن المذكر أشرف ؛ لأن جموع السلامة بالواو والنون في الغالب لمن يعقل (١١).
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) كذا في أوب والأصح نحويا : يعلمون رفعا ، ولعله سهو من الناسخ ، على أن عبارة الرازي : وكان يحصل لهم العلم بأنه لا يحلف بها كاذبا.
(٣) كذا في أوالرازي ، وفي ب معتبرا.
(٤) وانظر : الرازي ٢٨ / ١٩٤ و ١٩٣.
(٥) حيث قال : إنّ إلهكم لواحد. الآية ٤.
(٦) قال : «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى» الآيتان ١ و ٢ منها.
(٧) قال : «وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» الآيات من (١) إلى (٣).
(٨) قال : «يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ» ١ و ٢ منها.
(٩) وانظر : الرازي معنى المرجع السابق.
(١٠) هي الأولى من «الصافات» والأولى من «النازعات» والأولى من «المرسلات» والأولى من «العاديات» وتلك الآية وهي الأولى من الذاريات.
(١١) المرجع السابق.