وهي «البويرة» ، فنزل : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ)(١) أخبر في هذه الآية أن ما قطعوه وما تركوه (فَبِإِذْنِ اللهِ) أي : بأمره (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ).
و «اللام» في «ليخزي» متعلقة بمحذوف أي : أذن في قطعها ليسرّ المؤمنين ويعزهم ويخزي الفاسقين (٢).
فصل في هدم حصون الكفار
احتجّوا بهذه الآية على أنّ حصون الكفرة وديارهم يجوز هدمها وتحريقها وتغريقها وأن ترمى بالمجانيق وكذلك أشجارهم (٣).
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنهم قطعوا منها ما كان موضعا للقتال (٤).
وروي أن رجلين كانا يقطعان أحدهما العجوة والآخر اللون ، فسألهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال هذا : تركتها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال الآخر : قطعتها غيظا على الكفّار (٥).
واستدلوا به على جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلىاللهعليهوسلم.
قال الماوردي رحمهالله (٦) : في هذه الآية دليل على أن كل مجتهد مصيب.
وقال إلكيا الطبري : وإن كان الاجتهاد يبعد في مثله مع وجود النبي صلىاللهعليهوسلم بين أظهرهم ، ولا شكّ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى ذلك وسكت ، فتلقوا الحكم من تقريره فقط.
قال ابن العربي (٧) : وهذا باطل لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان معهم ، ولا اجتهاد مع حضور النبي صلىاللهعليهوسلم وإنما يدل على اجتهاد النبي صلىاللهعليهوسلم فيما لم ينزل عليه أخذا بعموم الأذية للكفار ، ودخولا في الإذن للكل فيما يقضي عليهم بالبوار ، وذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ).
قوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) الآية.
قال المبرد (٨) : «يقال : أفاء يفيء ، إذا رجع ، وأفاء الله ، إذا رده».
وقال الأزهري (٩) : «الفيء : ما رده الله على أهل دينه من أموال بلا قتال إما بأن
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٤٩٧) ، كتاب التفسير ، باب : «ما قطعتم من لينة» حديث (٤٨٨٤) ، من طريق نافع عن ابن عمر.
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٩٤.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٤٧.
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٩ / ٢٤٧) ، عن ابن مسعود.
(٥) ينظر المصدر السابق.
(٦) ينظر : النكت والعيون ٥ / ٥٠٢ ، والقرطبي ١٨ / ٧.
(٧) ينظر : أحكام القرآن ٤ / ١٧٦٩.
(٨) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٤٧.
(٩) ينظر : تهذيب اللغة ٥ / ٧٨.