وقيل : حمارا مخطوما بليف ، فافتتحها صلحا.
قال ابن الخطيب (١) : إن الصحابة طلبوا من الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يقسم الفيء بينهم كما يقسم الغنيمة بينهم ، فذكر الله ـ تعالى ـ الفرق بين الأمرين ، وأن الغنيمة هي التي أتعبتم أنفسكم في تحصيلها ، وأما الفيء فلم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فكان الأمر فيه مفوضا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يضعه حيث يشاء.
وها هنا سؤال ، وهو أن أموال بني النّضير أخذت بعد القتال ؛ لأنهم حوصروا أياما ، وقاتلوا وقتلوا ، ثم صالحوا على الجلاء ، فوجب أن تكون تلك الأموال من جملة الغنائم لا من جملة الفيء؟ فلهذا السؤال ذكر المفسرون ها هنا وجهين :
الأول : أن هذه الآية ما نزلت في قرى بني النضير ؛ لأنهم أوجفوا عليه بالخيل والرّكاب ، وحاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون ، بل هي فيء «فدك» ؛ لأن أهله انجلوا عنه ، فصارت تلك القرى والأموال التي في يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غير حرب ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأخذ من غلّة «فدك» نفقته ونفقة من يعوله ، ويجعل الباقي للسّلاح والكراع ، فلما مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم ادعت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ أنه كان نحلها «فدكا» ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : أنت أعز الناس علي فقرا ، وأحبهم إلى غنى ، لكني لا أعرف صحة قولك ، ولا يجوز لي أن أحكم بذلك ، فشهدت لها أم أيمن ومولى للرسول صلىاللهعليهوسلم فطلب منها أبو بكر الشّاهد الذي يجوز شهادته في الشرع فلم يكن فأجرى أبو بكر ذلك على ما كان يجريه الرسول صلىاللهعليهوسلم ينفق منه على من كان ينفق عليه الرسول ، ويجعل ما يبقى في السلاح والكراع.
وكذلك عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ جعله في يد علي ـ رضي الله عنه ـ يجريه على هذا المجرى ، ورد هذا في آخر عهد عمر ـ رضي الله عنه ـ وقال : إن بنا غنى وبالمسلمين إليه حاجة.
وكان عثمان ـ رضي الله عنه ـ يجريه كذلك ، ثم عاد إلى علي ـ رضي الله عنه ـ فكان يجريه هذا المجرى ، والأئمة الأربعة ـ رضي الله عنهم ـ اتّفقوا على ذلك.
والقول الثاني (٢) : أن هذه الآية نزلت في بني النضير وقراهم ، وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب ، ولم يقطعوا إليها مسافة كبيرة ، وإنما كانوا على ميلين من «المدينة» ، فمشوا إليها مشاة ، ولم يركب إلا رسول صلىاللهعليهوسلم فلما كانت المقاتلة قليلة ، والخيل والركاب غير حاصل أجراه الله ـ تعالى ـ مجراه ما لم يحصل فيه المقاتلة أصلا ، فخص رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتلك الأموال فروي أنه صلىاللهعليهوسلم قسمها بين المهاجرين ، ولم يعط الأنصار شيئا
__________________
(١) ينظر المصدر السابق.
(٢) ينظر : الفخر الرازي (٢٩ / ٢٤٨).