الآية وقد مضى وأما الفيء وقسمته وقسمة الخمس سواء.
قال القرطبي (١) : «والأمر فيهما عند مالك إلى الإمام ، فإن رأى حبسهما لنوازل تنزل بالمسلمين فعل ، وإن رأى قسمتهما ، أو قسمة أحدهما ، قسمها كلها ، أو قسم أحدهما بين الناس ، ويستوي فيه غريبهم ومولاهم ، ويبدأ بالفقراء من رجال ونساء حتى يغنوا ، ويعطي ذوي القربى من رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الفيء سهمهم على ما يراه الإمام ، وليس لهم حد معلوم».
وهل يعطي الغني منهم؟.
فأكثر الناس على إعطائه ؛ لأنه حق لهم.
وقال مالك رضي الله عنه : لا يعطي منهم غير فقرائهم ؛ لأنه جعل لهم عوضا من الصدقة.
وقال الشافعي رضي الله عنه : إن ما حصل من أموال الكفار بغير قتال كان يقسم في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم على خمسة وعشرين سهما للنبي صلىاللهعليهوسلم عشرون سهما يفعل فيها ما يشاء ، والخمس يقسم على ما يقسم عليه خمس الغنيمة.
قال أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي : وهذا القول ما سبقه به أحد علمناه ، بل كان ذلك خالصا له كما ثبت في الصحيح عن عمر مبينا للآية ، ولو كان هذا لكان قوله : (خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الأعراف : ٣٢] يجوز أن يشركهم فيها غيرهم.
فصل في تقسيم هذه الأموال (٢)
وتقسم هذه الأموال المتقدم ذكرها في البلد الذي جبي فيه ، ولا ينقل عن ذلك البلد الذي جبي فيه حتى يغنوا ، ثم ينقل إلى الأقرب من غيرهم ، إلّا أن ينزل بغير البلد الذي جبي فيه فاقة شديدة ، فينتقل إلى أهل الفاقة حيث كانوا كما فعل عمر ـ رضي الله عنه ـ في أعوام «الرّمادة» وكانت خمسة أعوام أو ستة.
وقيل : عامين.
وقيل : عام اشتدّ فيه الطّاعون مع الجوع ، وإن لم يكن ما وصفنا. ورأى الإمام إيقاف الفيء أوقفه لنوائب المسلمين ، ويبدأ بمن أبوه فقير ، والفيء حلال للأغنياء ، ويساوي فيه بين الناس ، إلا أنه يؤثر أهل الحاجة والفاقة ، والتفضيل فيه إنما يكون فيه على قدر الحاجة ، ويعطي منه الغرماء ما يؤدون به ديونهم ، ويعطي منه الجائزة والصّلة إن كان ذلك أهلا ، ويرزق القضاة والحكام ، ومن فيه مصلحة للمسلمين ، وأولاهم بتوفير الحظ منهم أعظمهم للمسلمين نفعا ، ومن أخذ من الفيء شيئا في الديوان كان عليه أن يغزو إذا وقع الغزو.
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١١.
(٢) السابق ١٨ / ١٢